تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهي كالأخلاق من هذا الوجه، لأن العبد إذا نازل الأخلاق بقلبه فينفي بجهده سفسافها، مَنّ الله عليه بتحسين أخلاقه، فكذلك إذا واظب على تزكية أعماله، ببذل وُسعه من الله عليه بتصفية أحواله بل فمن ترك مذمومَ أفعاله بلسان الشريعة يقال: أنه فنى عن شهواته".

فهم بذلك يدعون إلى كريم الأخلاق وحسن السلوك، وقد دخلت البدعة بعض طرق تحصيل ذلك ولاشك في كثير من المتأخرين.

وأما العبارة المشار إليها "التخلق بأخلاق الله" فلعلها عبارة مجملة تشتمل على حق وباطل، ولعلها لاتصح مسندة إلى أحد أعلام التصوف المعتدل من المتقدمين، وأما من يذكرها من المتأخرين من أهل العلم والفضل فلا يقصدون بها المعنى الذي أشار الشيخ إليه تدل على ذلك نصوصهم الواضحة الجلية الصريحة، وإن كانوا قد أخطأوا في إطلاقها.

فهذه العبارة (التخلق بأخلاق الله) مجملة أراد بها ابن عربي وابن سبعين وأضرابهم من الحلولية أو الاتحادية معان باطلة كفرية كنحو التي أشار إليها الشيخ علمنا ذلك من أحوالهم وكلامهم الآخر لانفس نص العبارة المجملة، وطائفة من متأخريهم تريد بها معنى يشتمل على حق ينبغي أن يقبل وباطل ينبغي أن ينكر وقد أخطأ من أنكر عليهم إطلاقهم جملة.

والصحيح التفصيل كما قال العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله، وشاهدي قوله: "ولكن له محمل صحيح وهو الحث على التخلق بمقتضى صفات الله وأسمائه وموجبها، وذلك بالنظر إلى الصفات التي يحسن من المخلوق أن يتصف بمقتضاها، بخلاف الصفات المختصة بالله كالخلاق والرزاق والإله ونحو ذلك. فإن هذا شيء لا يمكن أن يتصف به المخلوق، ولا يجوز أن يدعيه، وهكذا ما أشبه هذه الأسماء، وإنما المقصود: الصفات التي يحب الله من عباده أن يتصفوا بمقتضاها كالعلم والقوة والرحمة والحلم والكرم والجود والعفو. وأشباه ذلك، فهو سبحانه عليم يحب العلماء، قوي يحب المؤمن القوي أكثر من حبه للمؤمن الضعيف، كريم يحب الكرماء، رحيم يحب الرحماء، عفو يحب العفو .. إلخ".

ثم قال الشيخ العلامة رحمه الله: "وقد نص العلامة ابن القيم رحمه الله على هذا المعنى في كتابيه: عدة الصابرين، والوابل الصيب، ولعله نص على ذلك في غيرهما كالمدارج وزاد المعاد وغيرهما، وإليك نص كلامه في العدة والوابل. قال في العدة صفحة 310: "ولما كان سبحانه هو الشكور على الحقيقة، كان أحب خلقه إليه من اتصف بصفة الشكر، كما أن أبغض خلقه إليه من عطلها أو اتصف بضدها، وهذا شأن أسمائه الحسنى، أحب خلقه إليه من اتصف بموجبها، وأبغضهم إليه من اتصف بضدها، ولهذا يبغض الكفور والظالم والجاهل والقاسي القلب، والبخيل والجبان والمهين واللئيم، وهو سبحانه جميل يحب الجمال، عليم يحب العلماء، رحيم يحب الراحمين، محسن يحب المحسنين، ستير يحب أهل الستر، قادر يلوم على العجز، والمؤمن القوي أحب إليه من المؤمن الضعيف، عفو يحب العفو، وتر يحب الوتر، وكل ما يحبه من آثار أسمائه وصفاته وموجبها، وكل ما يبغضه فهو مما يضادها وينافيها" ا. هـ، وقال في الوابل الصيب صفحة 543 من مجموعة الحديث: "والجود من صفات الرب جل جلاله، فإنه يعطي ولا يأخذ، ويطعم ولا يطعم، وهو أجود الأجودين، وأكرم الأكرمين، وأحب الخلق إليه من اتصف بمقتضيات صفاته، فإنه كريم يحب الكرماء من عباده، وعالم يحب العلماء، وقادر يحب الشجعان، وجميل يحب الجمال"انتهى. وأرجو أن يكون فيما ذكرناه كفاية، وحصول للفائدة".

إلاّ أن خطأ أبي حامد الغزالي في تعديته التخلق إلى صفات لم يأمر الله بالتخلق بها بنوع من التعسف في التأويل كما فعل في شرح أسماء الله الحسنى، وهذا وإن كان خطأ فهو غير القول بالفناء عن وجود السوى الذي أشار إليه الشيخ وهو كفر .. ولعل الغزالي وقع فيما وقع فيه من اعتساف التخلق ببعض الصفات التي لا يليق ببشر أن يتخلق بها جراء مطالعاته كتب المتأخرين المضللة فلبست عليه، فالتمس مسلك التأويل ليخرج مراداً يرتضيه منها. وإلاّ فالغزالي يرفض كفر الاتحادية وينقل رفضه عن أئمة التصوف في نفس كتابه المقصد الأسنى قال ما نصه: " وما تداولته ألسنة الصوفية من كلمات تشير إلى ما ذكرناه لكن على وجه يوهم عند غير المحصل شيئا من معنى الحلول والاتحاد وذلك غير مظنون بعاقل فضلا عن المتميزين بخصائص المكاشفات، ولقد سمعت الشيخ أبا علي الفارمذي يحكي عن شيخه أبي القاسم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير