تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الكركاني قدس الله روحهما أنه قال إن الأسماء التسعة والتسعين تصير أوصافا للعبد السالك وهو بعد في السلوك غير واصل، وهذا الذي ذكره إن أراد به شيئا يناسب ما أوردناه فهو صحيح ولا يظن به إلا ذلك، ويكون في اللفظ نوع من التوسع والاستعارة، فإن معاني الأسماء هي صفات الله تعالى وصفاته لا تصير صفة لغيره ولكن معناه أنه يحصل له ما يناسب تلك الأوصاف كما يقال فلان حصل علم أستاذه وعلم الأستاذ لا يحصل للتلميذ بل يحصل له مثل علمه.

وإن ظن ظان أن المراد به ليس ما ذكرناه فهو باطل قطعا، فإني أقول قول القائل إن معاني أسماء الله سبحانه وتعالى صارت أوصافا له لا يخلو إما أن يعني به عين تلك الصفات أو مثلها، فإن عنى به مثلها فلا يخلو إما عنى به مثلها مطلقا من كل وجه وإما أنه عنى به مثلها من حيث الاسم والمشاركة في عموم الصفات دون خواص المعاني، فهذان قسمان، وإن عنى به عينها فلا يخلو إما أن يكون بطريق انتقال الصفات من الرب إلى العبد، أو لا انتقال، فإن لم يكن بالانتقال فلا يخلو إما أن يكون باتحاد ذات العبد بذات الرب حتى يكون هو هو فتكون صفاته، وإما أن يكون بطريق الحلول، وهذه أقسام ثلاثة؛ وهو الانتقال، والاتحاد، والحلول، وقسمان مقدمان. فهذه خمسة أقسام، الصحيح منها قسم واحد وهو أن يثبت للعبد من هذه الصفات أمور تناسبها على الجملة وتشاركها في الاسم ولكن لا تماثلها مماثلة تامة كما ذكرناه في التنبيهات" [المقصد الأسنى ص150 وما بعدها] ثم تكلم كلاماً بديعاً في إبطال القسم الثاني وكذلك الحلول والاتحاد والانتقال، فعمرك الله كيف يرمى به! ويفسر كلامه على ما يؤول إلى ما رد عليه، خلافاً لنصه في بيانه! ثم الأعجب من ذلك أن يدعى أن ذلك التفسير حقيقة من الظهور والبروز بحيث يعسر سترها، ويستدل له بقول مستشرق لادليل فيه عند تأمله بل يقرر فيه أن التصوف كان في مبدئه توحيداً صحيحاً ثم تحول فهذا الذي يفهم من قوله (تحول).

المستند الرابع: ثناء الأئمة على أئمة التصوف المتقدمين من أهل التوحيد.

ذكر الشيخ أن ثناء أولئك كان على أشخاص بأعيانهم وليس ثناء على التصوف الصحيح، وهذا القول يدل على عدم اطلاع كاف على أقوال الأئمة في المسألة ولاسيما شيخ الإسلام ابن تيمية الذي خصه الشيخ بالذكر من بينهم [وقد وقفت بعد كتابة هذه الورقات بمدة طويلة على كلامه في الرد على الشاذلي المؤيد لهذا في مواضع فلينظر] ..

فكلام شيخ الإسلام صريح في النهج والطريقة وليس في الأشخاص قال رحمه الله: "وقد ذم طريقهم طائفة من أهل العلم، ومن العباد أيضا من أصحاب أحمد ومالك والشافعي وأبي حنيفة وأهل الحديث والعباد، ومدحه آخرون، والتحقيق فيه أنه مشتمل على الممدوح والمذموم كغيره من الطريق، وأن المذمم منه قد يكون اجتهادياً وقد لا يكون، وأنهم في ذلك بمنزلة الفقهاء في الرأي، فإنه قد ذم الرأي من العلماء والعباد طوائف كثيرة و القاعدة التي قدمتها تجمع ذلك كله" [الفتاوى 10/ 370].

وقرر في موضع آخر أن الانحراف نحو الكلام والفلسفة إنما دخلهم متأخراً على خلاف الأصل الذي كان عليه الأوائل فقال رحمه الله في الصفدية [1/ 266]: "والشيوخ الأكابر الذين ذكرهم أبوعبدالرحمن السلمي في طبقات الصوفية، وأبو القاسم القشيري في الرسالة، كانوا على مذهب أهل السنة والجماعة، ومذهب أهل الحديث، كالفضيل بن عياض، والجنيد بن محمد، وسهل بن عبدالله التستري، وعمرو بن عثمان المكي، وأبو عبدالله محمد بن خفيف الشيرازي، وغيرهم، وكلامهم موجود في السنة وصنفوا فيها الكتب، لكن بعض المتأخرين منهم كان على طريقة بعض أهل الكلام في بعض فروع العقائد، ولم يكن فيهم أحد على مذهب الفلاسفة، وإنما ظهر التفلسف في المتصوفة المتأخرين، فصارت المتصوفة تارة على طريقة صوفية أهل الحديث وهم خيارهم وأعلامهم، وتارة على اعتقاد صوفية أهل الكلام فهؤلاء دونهم، وتارة على اعتقاد صوفية الفلاسفة كهؤلاء الملاحدة".

فبان الفلسفة قد دخلت متأخريهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير