تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بن حنبل وكراهتها عند الأئمة الثلاثة، فمن أين يأتي التحريم والكراهة إذا لم يفهموا من الحديث النهي عن بناء المساجد على القبور يا ترى؟!!

وقد نقلتُ ?فيما مضى? تصريح عامة الطوائف والمذاهب بالنهي عن بناء المساجد عليها متابعة منهم للسنة الصحيحة الصريحة من غير اختلاف بين الأئمة المعروفين، وإن أطلقت طائفةٌ منهم لفظ «الكراهة» فإنه ينبغي حمله على الكراهة التحريمية إحسانًا بالظن بالعلماء، ولأنه هو المعنى الشرعي في الاستعمال القرآني فيحمل عليه لا على المعنى الاصطلاحي في الأصول عند المتأخرين، ومن الاستعمال القرآني للفظ «الكراهة» بمعنى «التحريم» قوله تعالى: ?وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ? [الحجرات: 7]، كما ذكر الله تعالى -أيضًا- بعد النهي عن قتل الأولاد، وقربان الزنا، وقتل النفس، وغير ذلك، هذا المعنى بقوله تعالى: ?كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا? [الإسراء: 38]، أي: محرمًا؛ لأن هذه المذكورات والتي قبلها كلها محرمات، ويؤيد ذلك أن الأصل في النهي عند مالك والشافعي وأحمد وغيرهم يحمل على التحريم إلا إذا دل دليل يصرف النهي إلى التنزيه ولا صارف استظهروه في الأحاديث الناهية بتحريم بناء المساجد على القبور.

وفي هذا المعنى من حمل لفظ «الكراهة» عند الأئمة المتقدِّمين على «التحريم» عند الإطلاق ما ذكره ابن القيم ?رحمه الله? عن الإمام الشافعي ?رحمه الله? فيمن أراد نسبة القول إليه بإباحة تزوج الرجل من بنته من الزنا بدعوى تصريحه بكراهة ذلك، وأنَّ الكراهة لا تنافي الجواز إذا ما حملت على التَّنْزِيه فيقول ?رحمه الله?: «ومن هذا ?أيضًا? أنه نصّ على كراهة تزوج الرجل ابنته من ماء الزنا، ولم يقل قط إنه مباح ولا جائز، والذي يليق بجلاله وإمامته ومنصبه الذي أجلَّه الله به من الدين أنَّ هذا للكراهة منه على وجه التحريم، وأطلق لفظ «الكراهة»؛ لأنَّ الحرام يكرهه الله ورسوله، وقد قال تعالى عقب ذكر ما حرمه من المحرمات من عند قوله: ?وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ? إلى قوله: ?فلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا? إلى قوله: ?وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ? إلى قوله: ?وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى? إلى قوله: ?وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ? إلى قوله: ?وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ? إلى قوله: ?وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ? إلى آخر الآيات، ثمَّ قال: ?كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوها?، وفي الصحيح: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ» (36 - أخرجه البخاري «الزكاة»، باب قول الله تعالى: «لا يسألون الناس إلحافا»، وكم الغنى: (1/ 357)، ومسلم كتاب «الأقضية»: (2/ 820)، رقم: (1715)، من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ( http://java******:AppendPopup(this,'pjdefOutline_36')/)).

فالسلف كانوا يستعملون «الكراهة» في معناها الذي استعملت فيه في كلام الله ورسوله، أمَّا المتأخِّرون فقد اصطلحوا على تخصيص «الكراهة» بما ليس بمحرم، وتركه أرجح من فعله، ثمَّ حمل من حمل منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحادث» (37 - «إعلام الموقعين» لابن القيم (1/ 42 - 43) ( http://java******:AppendPopup(this,'pjdefOutline_37')/)).

والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: 29 رجب 1430ه

الموافق ل: 21 يوليو 2009م

http://ferkous.com/rep/M42 (http://ferkous.com/rep/M42)

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير