تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تلك أقوال الأئمة – رضي الله عنهم – في الأمر التمسك بالسنة والنهي عن مخالفتها، ومع ذلك فقد تعصب بعض الناس للأئمة وخاصة للإمام أبي حنيفة، وخصوصاً الكوثري الذي لقب بـ"مجنون أبي حنيفة"، ومنهم حتى قاربوا به منازل النبيين والمرسلين، فزعموا أن التوراة بشرت به، فقد روى المكي عن عبد الكريم بن مسفر أنه قال: "سمعت جماعة من أهل العلم يقولون: مكتوب في التوراة صفة كعب الأحبار والنعمان بن ثابت ومقاتل بن سليمان" [6] ومن ذلك زعم بعضهم أن محمداً – صلى الله عليه وسلم – ذكره باسمه وبين أنه سراج أمته، ومن زعم ذلك أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال: "سيكون في أمتي رجل أسمه النعمان وكنيته أبو حنيفة هو سراج أمتي هو سراج أمتي هو سراج أمتي" [7] واستدل بعض الحنفية به على فضل أبي حنيفة، قال الخطيب: "هو حديث موضوع تفرد بروايته البَوْرقي وقد شرحنا فيما تقدم." يشير إلى ما ذكره في ترجمة محمد بن سعيد البَوْرقي [8]، ثم قال: هذا البَوْرقي قد وضع المناكير على الثقات ما لا يحصى وأفحشها روايته عن بعض مشايخه، عن الفضل بن موسى السناني، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة ثم ذكر الحديث وقال على أثره هكذا حدث به في بلاد خراسان، ثم حدث به بالعراق وزاد فيه أنه قال: "سيكون في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس فتنته على أمتي أضر من فتنة إبليس"، قال الخطيب بعده: "ما كان أجرأ هذا الرجل على الكذب كأنه لم يسمع حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" نعوذ بالله من غلبة الهوى ونسأله التوفيق لما يحب ويرضى." [9]

كما أن بعضهم نعتوه بالصفات والمناقب ما عدوا به رتبته وتجاوزوا معه درجته، ومن ذلك قول الحصكفي: "أن أبا حنيفة النعمان من أعظم معجزات المصطفى بعد القرآن وحسبك من مناقبه اشتهار مذهبه، ما قال قولاً إلا أخذ به إمام من الأئمة الأعلام، قد جعل اللهُ الحكم لأصحابه وأتباعه من زمنه إلى هذه الأيام إلى أن يحكم بمذهبه عيسى – عليه السلام –" [10] وهذا القول تَقَوُّلٌ وغلو ظاهر وتنقص لنبي الله عيسى – عليه السلام – إذ كيف يظن بنبي أن يتبع عالماً مجتهداً؟! وقد رد ذلك قول ابن عابدين في حاشيته ونقل قول السيوطي في رد ذلك وفيه: " ... ما يقال إنه يحكم أي عيسى - عليه السلام – بمذهب من المذاهب الأربعة باطل لا أصل له. وكيف يظن بنبي أنه يقلد مجتهداً مع أن المجتهد من آحاد هذه الأمة لا يجوز له التقليد، إنما يحكم بالاجتهاد ... " [11] كما زعم الحصكفي أن سهل بن عبد الله التستري قال: "لو كان في أمتي موسى وعيسى مثل أبي حنيفة لما تهودوا ولما تنصروا." [12] ولهذا القول رد، فقد كانت في الحنفية أبو حنيفة نفسه، ومع ذلك فإن من الحنفية من أعتزل وتشيع وتجهم وانحرفوا عن الإسلام، فلو تهودوا أو تنصروا لكان خيراً لهم من أن يتجهموا أو يعتزلوا أو يتشيّعوا. والأحرى أن هذا كذب على سهل، وهو قول باطل في نفسه فقد عبد بنو إسرائيل عجلاً وهارون نبي الله بينهم، وكذلك كفر من كفر منهم وعيسى – عليه السلام – بين أظهرهم كما قال تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ} [آل عمران:52] ومن ذلك قول الحصكفي: "وعنه – عليه السلام -: إن سائر الأنبياء يفتخرون بي، وأنا أفتخر بأبي حنيفة، من أحبه فقد أحبني ومن أبغضه فقد أبغضني" [13] وهذا لا شك كذب محض لا يجوز ذكره فضلاً عن اعتقاده.

مكانة أبو حنيفة العلمية:

فإنه ليس بالغريب أن يفترى على الإمام أبو حنيفة – رحمه الله تعالى – الكذب وذلك لمكانة علمية رفيعة، فقد أخذ من العلوم الشرعية نصيباً وافراً فنبغ في العلوم الشرعية، ولقد كانت له قدرة على الإفتاء والتدريس وحل المشكلات الدقيقة التي تعرض عليه. وكان له مع ذلك معرفة في علم الكلام والجدل؛ إذ كانت معرفته تلك مرتبطة بنشأته بالكوفة؛ حيث كانت موطناً لأهل الأهواء والملل والنِّحل المختلفة، والفرق المتباينة، وإذا كان المجتمع على هذه الشاكلة كثر فيه الجدل والمناظرات حول العقائد. لذلك أنشغل إمام السلفية أبو حنيفة – رحمه الله – في بداية طلبه للعلم بعلم الكلام حتى برع فيه ونبغ، وبلغ فيه مبلغاً يشار إليه بالبيان، وكان به يجادل وعنه يناضل، وكان يرتحل إلى البصرة لمناقشة أصحاب الخصومات، وهذا ما

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير