قبور ومشاهد مكذوبة (4): قبر حواء في مدينة جُدة (ومقال نادر للشيخ إسماعيل الأنصاري)
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[24 - 09 - 09, 05:27 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة للحلقات السابقة من هذه السلسلة التي ابتدأها أخي الشيخ عبدالله زقيل – جزاه الله خيرًا -، هنا:
http://saaid.net/Doat/Zugail/270.htm
ثم تبعته بحلقتين عن: " مشهد رأس الحسين بمصر "، و " قبر زينب بمصر ":
http://saaid.net/Warathah/Alkharashy/mm/13.htm
http://saaid.net/Warathah/Alkharashy/mm/26.htm
فهذه الحلقة الرابعة عن القبر المزعوم لأم البشر حواء – رحمها الله - في مدينة جُدة بالمملكة العربية السعودية. والذي يظهر – والله أعلم - أن سبب اخترع هذا القبر الأسطوري، أن مخترعه رأى في بعض التواريخ؛ كتاريخ الطبري (1/ 79 – 80): أن الله عز وجل " أهبط آدم بالهند، وحواء بجُدة "؛ فناسب عنده أنها ماتت بها، فليُخترع لها قبر! وقد أحسن الطبري – رحمه الله - عندما أتبع الأقوال في الأرض التي أُهبط إليها – آدم وحواء - بقوله: " وهذا مما لا يُوصل إلى علم صحته إلا بخبر يجيء مجيء الحجة، ولا يُعلم خبرٌ في ذلك ورد كذلك، غير ما ورد من خبر هبوط آدم بأرض الهند، فإن ذلك مما لا يدفع صحته علماءُ الإسلام وأهل التوراة والإنجيل، والحجة قد ثبتت بأخبار بعض هؤلاء ". وذكر الهمداني في " صفة جزيرة العرب " (ص 223) أن حواء توجهت من جدة إلى عرفة، فتعارفت هي وأبو البشر عندها؛ فسميت عرفة.
وبعد اختراع القبر، جاء دور التعظيم له من الصوفية والجهلة، فبنيت عليه القبة، وتوارث هذا اللاحق عن السابق. قال ابن جبير في " رحلته " (ص 47) متحدثًا عن جُدة: " وبها موضع فيه قبّة مشيَّدة عتيقة، يُذكر أنه كان منزل حواء أم البشر، صلى الله عليها، عند توجهها إلى مكة، فبني ذلك المبنى عليه، تشهيرًا لبركته وفضله، والله أعلم بذلك ". وذكره ابن المجاور في رحلته " تاريخ المستبصر " (ص 43).
وقد علّق الفاسي في " شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام " (1/ 141 – 142) على قول ابن جبير السابق: " ولعل هذا الموضع هو الموضع الذي يُقال له: قبر حواء، وهو مكان مشهور بجدة، أن لا مانع من أن تكون نزلت فيه، ودُفنت فيه، والله أعلم، وأستبعد أن يكون قبر حواء بالموضع المشار إليه، لأن ابن جبير لم يذكره، وماذاك إلا لخفايته عليه، فهو فيما بعد رحلته من الزمن أخفى، والله أعلم ".
وعلّق الأستاذ عبدالقدوس الأنصاري في كتابه " تاريخ مدينة جُدة " (ص 9 - 10) على ابن المجاور بقوله: " لاحظنا أن المؤلف عني بإثبات أمرين: أحدهما: القبر المزعوم أنه لحواء أم البشر، والمؤلف يعتقد أنه حقيقي "، وقال (ص 38): " ويلاحظ أن ابن المجاور ضعّف الرواية القائلة بتسمية جُدة باسم أم البشر حواء، حيث ساقها بصيغة قيل، والحقيقة أنها رواية أسطورية محضة، فقد نفاها الثقات نفيًا باتًا، ولا يُعقل أن يظل قبر أم البشر معروفًا حتى اليوم! وابن المجاور نفسه وقع من هذه الرواية في تناقض لم يشعر به، فهو ضبط اسم البلدة بضم الجيم، ثم أورد أنها سُميت بهذا الاسم المضموم الجيم؛ لدفن أم البشر بها! أي جَدة البشر – بفتح الجيم -، فهذا تناقض واضح، يدل على سقوط الرواية الأسطورية ".
وقال (ص 39): " يجب أن نُلاحظ أن كلاً من الهمداني وابن جبير، نفيا ضمنًا أن تكون القبة على قبر حواء، وإنما أوردا أن الموضع كان منزلاً لها فقط تسكنه في حياتها، وهو أمر يُخالف رواية الزاعمين أنه موضع قبرها على كل حال ".
قلت: وتعرض الأستاذ محمد لبيب البتنوني في " الرحلة الحجازية " لهذه المسألة، فقال – بعد أن وصف القبر المزعوم – (ص 78 – 81): " وهناك مر بخاطري أن هذا المكان ربما كان لقضاعة فيه قبل الإسلام هيكل لحواء أم البشر، يعبدونها فيه، كما كانت هذيل تعبد سواع بن شيث بن آدم، وهذيل كما لا يخفى في جنوب وشمال مكة .. وكانت مساكن قضاعة فيما بينهم .. وعليه؛ فلا يبعد أن قبر حواء، كان من الهياكل المقدسة في الجاهلية، فلما جاء الإسلام، ومحا أثر الشرك من هذه البلاد، ودالت به دولة الوثنية، وهُدمت هياكلها التي كان من ضمنها بالطبع هذا الهيكل، بقي أثره في نفوس القوم، برًا بحق
¥