لقد كان في ديوان الملك فيصل شخص لبناني شيعي أصله من بعلبك، يدعى رستم حيدر وكان له تأثير طائفي على الملك فيصل كما يقول الجادرجي: "إن الأنكليز والبلاط بتأثير وزير البلاط الشيعي رستم حيدر صاروا يغزون جهاز الدولة، بموظفين غير أكفاء لأسباب طائفية" ([18]).
وإني أتساءل مرة أخرى: لمَ لمْ يؤخذ بإرقام "إحصائية لنفوس العراق في ولاياته الثلاث (بغداد، البصرة، الموصل)، والتي نشرت سنة 1920 عن حكومة الاحتلال الإنكليزية، والتي أظهرت أن: نسبة السُنّة 48.81%، ونسبة الشيعة42.31%، ونسبة اليهود والنصارى 7%، ونسبة الأديان الأخرى 2% ([19]).
ولا أدري كذلك لماذا لا تؤخذ مثلا دراسة الكاتب الانكليزي البرت منتشاشفيلي في كتابه (العراق تحت الانتداب البريطاني) والذي ذكر فيه أن نسبة السنة هي 52% ([20]).
ولعله الآن قد تبيّن للجميع مقصد الإنكليز الواضح من قضية إيراد أرقام معينة لخلق مشكلة مستمرة في العراق نحصد اليوم وغدا بعضا من ثمارها.
أخطاء حنا بطاطو ([21]):
يقول الأكاديمي العراقي المعروف الدكتور مازن الرمضاني ([22])،في تصريحات لموقع (إسلام أون لاين): "إنّ أول من أطلق المزاعم بكون الشيعة يمثلون أغلبية كبيرة في العراق هو الكاتب اليهودي حنا بطاطو. و يضيف الدكتور رمضاني أن مما ساعد في رواج هذه الإحصاءات المغلوطة قدرة التعبئة الهائلة لدى الشيعة، وكثرة عدد المحافظات الشيعية، بالقياس لعدد المحافظات السنية، وهو ما جعل البعض يجنح به الظن الخاطئ إلى كون الشيعة يمثلون أغلبية ساحقة، بالنظر لكثرة عدد محافظاتهم، متناسيا الانتباه للكثافة السكانية لكل محافظة" ([23]).
حنا بطاطو ألف كتابه (العراق: الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية) ووضع فيه أرقاما شبيهة بأرقام الأنكليز وأدّعى فيه أن نسبة العرب السنة 19% وأن عددهم حسب إحصاء 1947 هو (900000) وأن نسبة الشيعة هم 51.4 % وعددهم هو (2344000).
نشر الكتاب سنة 1990م، ومن بعده اعتمد كل الكتّاب من الشيعة وغيرهم، عراقيين كانوا أم عربا على مقولة بطاطو الزاعمة أن نسبة الشيعة في العراق هي الأكثر، مستندا إلى معلومات من وزارة الداخلية العراقية، سنة 1947، وأرى والله أعلم أن عدة أسباب تقف وراء رواج مقولة بطاطو منها:
* التوافق مع هوى الشيعة ورغبتهم في أن يكونوا أكثرية في العراق.
* التوافق مع مقولة الإنكليز السالفة.
* أن بطاطو حين زار العراق حصل على معلومات خاصة ودقيقة، وأن بحوثه التحليلية كانت قوية، وأثنى عليها أكثر من باحث أكاديمي ومؤرخ.
* الهزيمة النفسية للكتاب العرب الذين يثقون بكل بحث مصدره غربي، كجزء من أزمة الثقة بالنفس.
لهذه الأسباب ولغيرها كان كلام بطاطو هو الدليل الثاني على أكذوبة أكثرية الشيعة في العراق.
والحقيقة أن الرد على حنا بطاطو لا يحتاج من القارئ إلا الانتباه لبعض الحقائق التالية، (وقد كتب الدكتور الفاضل طه الدليمي دراسة مفصلة تنشر قريباً لتفنيد فكرة حنا بطاطو وإحصائياته):
* أنه ليس هناك إحصاء في العراق يعتمد نسب السنة والشيعة.
* أن بطاطو نفسه قال في صفحة (60) أن هذا تقدير تقريبي.
* أنه بالرجوع إلى التعداد السكاني لسنة 1947 يتبين بوضوح خطأ بطاطو، لأنه جعل مجموع العرب السنة هو (900.000)، في حين أن مجموع سكان الموصل (595.190)، وكانت الموصل آنذاك مع دهوك وإن نسبة الأكراد فيها بين 16 - 20 % ليصبح عدد سكان الموصل تقديرا (480.000).
أما عدد سكان الأنبار فيتجاوز 192 ألفا فيكون مجموعهما (الموصل والأنبار) 672.000 تقريبا.
أما ديالى فسكانها في تلك السنة هو (272.413) وإذا علمنا أن 30 % من سكانها هم من الشيعة فيكون سنة ديالى (190.000) تقريبا.
وسكان بغداد (817.205) فإذا كانت نسبة السنة يومها فقط 70%، بل ولنفترض أن عدد السنة فيها فقط (450.000)، فيصبح مجموع هؤلاء السنة العرب هو (1.312.000).
والسؤال الذي نوجهه لبطاطو: أين سنة كركوك وسنة البصرة وسنة الحلة وسنة الكوت والأقليات السنية في بقية المحافظات، إن أقل تقدير لهم هو (200.000) ليكون المجموع هو (1.512.000) هؤلاء السنة العرب، أما الأكراد السنة فبطاطو يقول أنهم (840.000)، ويقول أن التركمان (50.000) ليصبح المجموع العام لسنة العراق (2.402.000).
¥