تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولقد قام على الشيخ تقي الدين جماعة من العلماء مراراً، بسبب أشياء أنكروها عليه من الأصول والفروع، وعقدت له بسبب ذلك عدة مجالس بالقاهرة، وبدمشق، ولا يحفظ عن أحد منهم أنه أفتى بزندقته، ولا حكم بسفك دمه مع شدة المتعصبين عليه حينئذ من أهل الدولة، حتى حبس بالقاهرة، ثم بالإسكندرية، ومع ذلك فكلهم معترف بسعة علمه، وكثرة ورعه، وزهده، ووصفه بالسخاء، والشجاعة، وغير ذلك من قيامه في نصر الإسلام، والدعوة إلى الله تعالى في السر والعلانية، فكيف لا يُنكر على مَن أطلق " أنه كافر "، بل من أطلق على من سماه شيخ الإسلام: الكفر، وليس في تسميته بذلك ما يقتضي ذلك؛ فإنه شيخ في الإسلام بلا ريب، والمسائل التي أنكرت عليه ما كان يقولها بالتشهي، ولا يصر على القول بها بعد قيام الدليل عليه عناداً، وهذه تصانيفه طافحة بالرد على من يقول بالتجسيم، والتبري منه، ومع ذلك فهو بشر يخطئ ويصيب، فالذي أصاب فيه - وهو الأكثر - يستفاد منه، ويترحم عليه بسببه، والذي أخطأ فيه لا يقلد فيه، بل هو معذور؛ لأن أئمة عصره شهدوا له بأن أدوات الاجتهاد اجتمعت فيه، حتى كان أشد المتعصبين عليه، والقائمين في إيصال الشر إليه، وهو الشيخ كمال الدين الزملكاني، يشهد له بذلك، وكذلك الشيخ صدر الدين بن الوكيل، الذي لم يثبت لمناظرته غيره.

ومن أعجب العجب أن هذا الرجل كان أعظم الناس قياماً على أهل البدع من الروافض، والحلولية، والاتحادية، وتصانيفه في ذلك كثيرة شهيرة، وفتاويه فيهم لا تدخل تحت الحصر، فيا قرة أعينهم إذا سمعوا بكفره، ويا سرورهم إذا رأوا من يكفر من لا يكفره، فالواجب على من تلبّس بالعلم وكان له عقل أن يتأمل كلام الرجل من تصانيفه المشتهرة، أو من ألسنة من يوثق به من أهل النقل، فيفرد من ذلك ما يُنكر، فيحذِّر منه على قصد النصح، ويثني عليه بفضائله فيما أصاب من ذلك، كدأب غيره من العلماء، ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب إلا تلميذه الشهير الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية صاحب التصانيف النافعة السائرة التي انتفع بها الموافق والمخالف: لكان غاية في الدلالة على عظم منزلته، فكيف وقد شهد له بالتقدم في العلوم، والتميز في المنطوق والمفهوم أئمة عصره من الشافعية وغيرهم، فضلاً عن الحنابلة، فالذي يطلق عليه مع هذه الأشياء الكفر، أو على من سمَّاه " شيخ الإسلام ": لا يلتفت إليه، ولا يعوَّل في هذا المقام عليه، بل يجب ردعه عن ذلك إلى أن يراجع الحق، ويذعن للصواب، والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل، وحسبنا الله، ونعم الوكيل.

صفة خطه أدام الله بقاءه.

قاله، وكتبه: أحمد بن علي بن محمد بن حجر الشافعي، عفا الله عنه، وذلك في يوم الجمعة التاسع من شهر ربيع الأول، عام خمسة وثلاثين وثمانمائة، حامداً لله، ومصليّاً على رسوله محمد، وآله ومسلماً.

" الرد الوافر " للإمام ابن ناصر الدين الدمشقي (ص 145، 146)، ونقل الحافظ السخاوي – تلميذ ابن حجر – كلام شيخه في كتابه " الجواهر والدرر " (2/ 734 – 736).

2. ترجم الحافظ ابن حجر لشيخ الإسلام ابن تيمية، عليهما رحمة الله، ترجمة حفيلة في كتابه " الدرر الكامنة "، قال في أولها:

" .. وتحول به أبوه من حران سنة 67، فسمع من ابن عبد الدائم والقاسم الأربلي والمسلم ابن علان وابن أبي عمر والفخر في آخرين، وقرأ بنفسه ونسخ سنن أبي داود وحصل الأجزاء ونظر في الرجال والعلل، وتفقه وتمهر، وتميز وتقدم، وصنف ودرس وأفتى، وفاق الأقران، وصار عجباً في سرعة الاستحضار وقوة الجنان والتوسع في المنقول والمعقول والإطالة على مذاهب السلف والخلف .. " انتهى.

الدرر الكامنة، في أعيان المائة الثامنة "1/ 168).

وقد نقل في هذه الترجمة كثيرا من نصوص الأئمة، في الثناء على شيخ الإسلام رحمه الله، والإقرار بإمامته في علوم المعقول والمنقول، ومن ذلك قوله:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير