*قال تعالى:" وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189 البقرة).
في هذه الآية بيان أن ما لم يشرعه الله قربة ولا ندب إليه لا يصير قربة بأن يتقرب به متقرب. قال ابن خويز منداد: إذا أشكل ما هو بر وقربة بما ليس هو بر وقربة أن ينظر في ذلك العمل، فإن كان له نظير في الفرائض والسنن فيجوز أن يكون، وإن لم يكن فليس ببر ولا قربة. قال: وبذلك جاءت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم. وذكر حديث ابن عباس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس فسأل عنه، فقالوا: هو أبو إسرائيل، نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه). فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ما كان غير قربة مما لا أصل له في شريعته، وصحح ما كان قربة مما له نظير في الفرائض والسنن.
*وفى الحديث عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ" [.خ ... ك ... الأيمان والنذور].
الطاعة أعم من أن تكون في واجب أو مستحب , ويتصور النذر في فعل الواجب بأن يؤقته , كمن ينذر أن يصلي الصلاة في أول وقتها فيجب عليه ذلك بقدر ما أقته , وأما المستحب من جميع العبادات المالية والبدنية فينقلب بالنذر واجبا ويتقيد بما قيده به الناذر والخبر صريح في الأمر بوفاء النذر إذا كان في طاعة وفي النهي عن ترك الوفاء به إذا كان في معصية.
وقد قسم بعض الشافعية الطاعة إلى قسمين: واجب عينا فلا ينعقد به النذر كصلاة الظهر مثلا وأما صفة فيه فينعقد كإيقاعها أول الوقت , وواجب على الكفاية كالجهاد فينعقد , ومندوب عبادة عينا كان أو كفاية فينعقد , ومندوب لا يسمى عبادة كعيادة المريض وزيارة القادم ففي انعقاده وجهان والأرجح انعقاده وهو قول الجمهور والحديث يتناوله فلا يخص من عموم الخبر إلا القسم الأول لأنه تحصيل الحاصل.
وبوب البخارى: باب النذر فيما لا يملك وفي معصية:
والتقدير باب النذر فيما لا يملك وحكم النذر في معصية , فإذا ثبت نفي النذر في المعصية التحق به النذر فيما لا يملك لأنه يستلزم المعصية لكونه تصرفا في ملك الغير .... وهو في حديث ثابت بن الضحاك بلفظ " وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك " وقد أخرجه الترمذي مقتصرا على هذا القدر من الحديث ...... وأخرجه مسلم من حديث عمران بن حصين في قصة المرأة التي كانت أسيرة فهربت على ناقة للنبي صلى الله عليه وسلم , فإن الذين أسروا المرأة انتهبوها فنذرت إن سلمت أن تنحرها , فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم " ...... وأخرجه أبو داود من حديث عمر بلفظ " لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب ولا في قطيعة رحم ولا فيما لا يملك "
واستدل بحديث " لا نذر في معصية " من قال بصحة النذر في المباح لأن فيه نفي النذر في المعصية فبقي ما عداه ثابتا , واحتج من قال إنه يشرع في المباح بما أخرجه أبو داود من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده , وأخرجه أحمد والترمذي من حديث بريدة " أن امرأة قالت: يا رسول الله إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف , فقال: أوف بنذرك " وزاد في حديث بريدة أن ذلك وقت خروجه في غزوة فنذرت إن رده الله تعالى سالما .... الحديث .. قال البيهقي: يشبه أن يكون أذن لها في ذلك لما فيه من إظهار الفرح بالسلامة ,
واتفقوا على تحريم النذر في المعصية , واختلافهم إنما هو في وجوب الكفارة , واحتج من أوجبها بحديث عائشة " لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين " أخرجه أصحاب السنن ورواته ثقات , لكنه معلول فإن الزهري رواه عن أبي سلمة ثم بين أنه حمله عن سليمان بن أرقم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة فدلسه بإسقاط اثنين , وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال: لا يصح , ولكن له شاهد من حديث عمران بن حصين أخرجه النسائي وضعفه .... وقال النووى في الروضة: حديث لا نذر في معصية وكفارته كفارة اليمين ضعيف باتفاق المحدثين.
¥