واحتج بعض الحنابلة بأنه ثبت عن جماعة من الصحابة ولا يحفظ عن صحابي خلافه قال والقياس يقتضيه , لأن النذر يمين كما وقع في حديث عقبة لما نذرت أخته أن تحج ماشية لتكفر عن يمينها فسمي النذر يمينا , ومن حيث النظر هو عقدة لله تعالى بالتزام شيء , والحالف عقد يمينه بالله ملتزما بشيء ثم بين أن النذر آكد من اليمين ورتب عليه أنه لو نذر معصية ففعلها لم تسقط عنه الكفارة بخلاف الحالف , وهو وجه للحنابلة , واحتج له بأن الشارع نهى عن المعصية وأمر بالكفارة فتعينت.
* وقال ابن القيم فى تهذيب سنن ابى داود:
وقد روى مسلم في صحيحه من حديث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "كفارة النذر كفارة اليمين".
وهذا يتناول نذر المعصية من وجهين.
أحدهما: أنه عام لم يخص منه نذر دون نذر.
الثاني: أنه شبهه باليمين، ومعلوم: أنه لو حلف على المعصية وحنث لزمه كفارة يمين، بل وجوب الكفارة في نذر المعصية أولى منها في يمين المعصية لما سنذكره.
قالوا: ووجوب الكفارة قول عبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله، وعمران بن حصين وسمرة بن جندب، ولا يحفظ عن صحابي خلافهم.
قالوا: وهب أن هذه الاَثار لم تثبت، فالقياس يقتضي وجوب الكفارة فيه، لأن النذر يمين، ولو حلف ليشربن الخمر، أو ليقتلن فلاناً، وجبت عليه كفارة اليمين وإن كانت يمين معصية فهكذا إذا نذر المعصية.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تسمية النذر يميناً ـ لما قال لأخت عقبة لما نذرت المشي إلى بيت الله فعجزت تكفر يمينها، وهو حديث صحيح.
وعن عقبة مرفوعاً وموقوفاً "النذر حلفة".
وقال ابن عباس في امرأة نذرت ذبح ابنها "كفري يمينك".
فدل على أن النذر داخل في مسمى اليمين في لغة من نزل القران بلغتهم.
وذلك أن حقيقته هي حقيقة اليمين فإنه عقده لله ملتزماً له، كما أن الحالف عقد يمينه بالله ملتزماً حلف عليه، بل ما عقد لله أبلغ وألزم مما عقد به فإن ما عقد به من الأيمان لا يصير باليمين واجباً، فإذا حلف على قربة مستحبة ليفعلنها لم تصر واجبة عليه، وتجزئه الكفارة ولو نذرها وجبت عليه ولم تجزئه الكفارة.
فدل على أن الالتزام بالندر اكد من الالتزام باليمين، فكيف يقال: إذا التزم معصية بيمينه وجبت عليه الكفارة، وإذا التزمها بنذره الذي هو أقوى من اليمين فلا كفارة فيها فلو لم يكن في المسألة إلا هذا وحده لكان كافياً.
ومما يدل على أن النذر اكد من اليمين. أن الناذر إذا قال: لله علي أن أفعل كذا فقد عقذ نذره بجزمه أيمانه بالله، والتزامه تعظيمه، كما عقدها الحالف بالله كذلك، فهما من هذه الوجوه سواء، والمعنى الذي يقصده الحالف ويقوم بقلبه هو بعينه مقصود للناذر قائم بقلبه ويزيد النذر عليه أنه التزمه لله، فهو ملتزم من وجهين: له، وبه.
والحالف إنما التزم ما حلف عليه خاصة، فالمعنى الذي في اليمين داخل في حقيقة النذر فقد تضمن النذر اليمين وزيادة، فإذا وجبت الكفارة في يمين المعصية فهي أولى بأن تجب في نذرها.
ولأجل هذه القوة والتأكيد: قال بعض الموجبين للكفارة فيه: إنه إذا نذر المعصية لم يبرأ بفعلها، بل تجب عليه الكفارة عيناً، ولو فعلها لقوة النذر، بخلاف ما إذا حلف عليها، فإنه إنما تلزمه الكفارة إذا حنث، لأن اليمين أخف من النذر. أ.هـ
ولعل كلام الشوكانى من أعدل الكلام والله تعالى أعلى وأعلم ...
*وجوب الوفاء بنذر الطاعة:
*قال تعالى:" يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ..... (1 المائدة).
فى هذه الآية أمر الله سبحانه بالوفاء بالعقود؛ قال الحسن: يعني بذلك عقود الدين وهي ما عقده المرء على نفسه؛ من بيع وشراء وإجارة وكراء ومناكحة وطلاق ومزارعة ومصالحة وتمليك وتخيير وعتق وتدبير وغير ذلك من الأمور، ما كان ذلك غير خارج عن الشريعة؛ وكذلك ما عقده على نفسه لله من الطاعات، كالحج والصيام والاعتكاف والقيام والنذر وما أشبه ذلك من طاعات ملة الإسلام.
*وقال تعالى:" ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29 الحج).
قوله تعالى: "وليوفوا نذورهم" أمروا بوفاء النذر مطلقا إلا ما كان معصية؛ لقوله عليه السلام: (لا وفاء لنذر في معصية الله)، وقوله: (من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه)
¥