قال في النهاية النحب: النذر كأنه ألزم نفسه أن يصدق أعداء الله في الحرب فوفى به، وقيل النحب الموت كأنه يلزم نفسه أن يقاتل حتى يموت انتهى. وقال التوربشتي: النذر والنحب المدة والوقت. ومنه قضى فلان نحبه إذا مات وعلى المعنيين يحمل قوله سبحانه: {فمنهم من قضى نحبه} فعلى النذر أي نذره فيما عاهد الله عليه من الصدق في مواطن القتال والنصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الموت: أي مات في سبيل الله وذلك أنهم عاهدوا الله أن يبذلوا نفوسهم في سبيله.
قال ابن حجر: والنذور جمع نذر وأصله الإنذار بمعنى التخويف. وعرفه الراغب بأنه إيجاب ما ليس بواجب لحدوث أمر.
قال القرطبى: النذر: هو إيجاب المكلف على نفسه من الطاعات ما لو لم يوجبه لم يلزمه.
* حكمه شرعا:
* فى الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَلَكِنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ" [.خ ... ك ... الأيمان والنذور] .... وفي لفظ لمسلم من هذا الوجه " أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي عن النذر " وجاء بصيغة النهي الصريحة في رواية عن أبي هريرة عند مسلم بلفظ " لا تنذروا ".
* وعن سَعِيدُ بْنُ الْحَارِثِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ أَوَلَمْ يُنْهَوْا عَنْ النَّذْرِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ النَّذْرَ لَا يُقَدِّمُ شَيْئًا وَلَا يُؤَخِّرُ وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِالنَّذْرِ مِنْ الْبَخِيلِ" .. [خ ... ك .. الأيمان والنذور].
* وهذه الروايات تبين أن النذر منهى عنه ... وجاء فى بعض الروايات ما يعتبر تعليل لهذا النهى كما فى هذه الرواية قوله (لا يقدم شيئا ولا يؤخر) وفي رواية " لا يرد شيئا " وهي أعم , ونحوها في حديث أبي هريرة " لا يأتي ابن آدم النذر بشيء لم يكن قدر له " وفي رواية " فإن النذر لا يغني من القدر شيئا " وفي لفظ " لا يرد القدر " وفي حديث أبي هريرة عنده " لا يُقَرب من ابن آدم شيئا لم يكن الله قدره له " ومعاني هذه الألفاظ المختلفة متقاربة , وفيها إشارة إلى تعليل النهي عن النذر.
* وقد اختلف العلماء في هذا النهي: فمنهم من حمله على ظاهره , ومنهم من تأوله. قال ابن الأثير في النهاية: تكرر النهي عن النذر في الحديث وهو تأكيد لأمره وتحذير عن التهاون به بعد إيجابه , ولو كان معناه الزجر عنه حتى لا يفعل لكان في ذلك إبطال حكمه وإسقاط لزوم الوفاء به إذ كان بالنهي يصير معصية فلا يلزم , وإنما وجه الحديث أنه قد أعلمهم أن ذلك أمر لا يجر لهم في العاجل نفعا ولا يصرف عنهم ضرا ولا يغير قضاء فقال: لا تنذروا على أنكم تدركون بالنذر شيئا لم يقدره الله لكم أو تصرفوا به عنكم ما قدره عليكم , فإذا نذرتم فاخرجوا بالوفاء فإن الذي نذرتموه لازم لكم , انتهى كلامه.
وأصله من كلام أبي عبيد فيما نقله ابن المنذر في كتابه الكبير فقال: كان أبو عبيد يقول وجه النهي عن النذر والتشديد فيه ليس هو أن يكون مأثما , ولو كان كذلك ما أمر الله أن يوفى به ولا حمد فاعله , ولكن وجهه عندي تعظيم شأن النذر وتغليظ أمره لئلا يتهاون به فيفرط في الوفاء به ويترك القيام به. ثم استدل بما ورد من الحث على الوفاء به في الكتاب والسنة , وإلى ذلك أشار المازري بقوله: ذهب بعض علمائنا إلى أن الغرض بهذا الحديث التحفظ في النذر والحض على الوفاء به. قال: وهذا عندي بعيد من ظاهر الحديث. ويحتمل عندي أن يكون وجه الحديث أن الناذر يأتي بالقربة مستثقلا لها لما صار عليه لازم , وكل ملزوم فإنه لا ينشط للفعل نشاط مطلق الاختيار , ويحتمل أن يكون سببه أن الناذر لما لم ينذر القربة إلا بشرط أن يفعل له ما يريد صار كالمعاوضة التي تقدح في نية المتقرب. قال: ويشير إلى هذا التأويل قوله " إنه لا يأتي بخير " وقوله " إنه لا يقرب من ابن آدم شيئا لم يكن الله قدره له " وهذا كالنص على هذا التعليل ا هـ.
¥