قال البيضاوي: عادة الناس تعليق النذر على تحصيل منفعة أو دفع مضرة , فنهي عنه لأنه فعل البخلاء إذ السخي إذا أراد أن يتقرب بادر إليه والبخيل لا تطاوعه نفسه بإخراج شيء من يده إلا في مقابلة عوض يستوفيه أولا فيلتزمه في مقابلة ما يحصل له , وذلك لا يغني من القدر شيئا فلا يسوق إليه خيرا , لم يقدر له ولا يرد عنه شرا قضى عليه , لكن النذر قد يوافق القدر فيخرج من البخيل ما لولاه لم يكن ليخرجه , قال ابن العربي: فيه حجة على وجوب الوفاء بما التزمه الناذر , لأن الحديث نص على ذلك بقوله " يستخرج به " فإنه لو لم يلزمه إخراجه لما تم المراد من وصفه بالبخل من صدور النذر عنه , إذ لو كان مخيرا في الوفاء لاستمر لبخله على عدم الإخراج.
وقال ابن العربي: النذر شبيه بالدعاء فإنه لا يرد القدر ولكنه من القدر أيضا , ومع ذلك فقد نهي عن النذر وندب إلى الدعاء , والسبب فيه أن الدعاء عبادة عاجلة ويظهر به التوجه إلى الله والتضرع له والخضوع وهذا بخلاف النذر فإن فيه تأخير العبادة إلى حين الحصول وترك العمل إلى حين الضرورة والله أعلم. أ.هـ
*النذر فى الطاعة فقط:
*قال تعالى:" وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189 البقرة).
في هذه الآية بيان أن ما لم يشرعه الله قربة ولا ندب إليه لا يصير قربة بأن يتقرب به متقرب. قال ابن خويز منداد: إذا أشكل ما هو بر وقربة بما ليس هو بر وقربة أن ينظر في ذلك العمل، فإن كان له نظير في الفرائض والسنن فيجوز أن يكون، وإن لم يكن فليس ببر ولا قربة. قال: وبذلك جاءت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم. وذكر حديث ابن عباس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس فسأل عنه، فقالوا: هو أبو إسرائيل، نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه). فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ما كان غير قربة مما لا أصل له في شريعته، وصحح ما كان قربة مما له نظير في الفرائض والسنن.
*وفى الحديث عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ" [.خ ... ك ... الأيمان والنذور].
الطاعة أعم من أن تكون في واجب أو مستحب , ويتصور النذر في فعل الواجب بأن يؤقته , كمن ينذر أن يصلي الصلاة في أول وقتها فيجب عليه ذلك بقدر ما أقته , وأما المستحب من جميع العبادات المالية والبدنية فينقلب بالنذر واجبا ويتقيد بما قيده به الناذر والخبر صريح في الأمر بوفاء النذر إذا كان في طاعة وفي النهي عن ترك الوفاء به إذا كان في معصية.
وقد قسم بعض الشافعية الطاعة إلى قسمين: واجب عينا فلا ينعقد به النذر كصلاة الظهر مثلا وأما صفة فيه فينعقد كإيقاعها أول الوقت , وواجب على الكفاية كالجهاد فينعقد , ومندوب عبادة عينا كان أو كفاية فينعقد , ومندوب لا يسمى عبادة كعيادة المريض وزيارة القادم ففي انعقاده وجهان والأرجح انعقاده وهو قول الجمهور والحديث يتناوله فلا يخص من عموم الخبر إلا القسم الأول لأنه تحصيل الحاصل.
وبوب البخارى: باب النذر فيما لا يملك وفي معصية:
والتقدير باب النذر فيما لا يملك وحكم النذر في معصية , فإذا ثبت نفي النذر في المعصية التحق به النذر فيما لا يملك لأنه يستلزم المعصية لكونه تصرفا في ملك الغير .... وهو في حديث ثابت بن الضحاك بلفظ " وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك " وقد أخرجه الترمذي مقتصرا على هذا القدر من الحديث ...... وأخرجه مسلم من حديث عمران بن حصين في قصة المرأة التي كانت أسيرة فهربت على ناقة للنبي صلى الله عليه وسلم , فإن الذين أسروا المرأة انتهبوها فنذرت إن سلمت أن تنحرها , فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم " ...... وأخرجه أبو داود من حديث عمر بلفظ " لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب ولا في قطيعة رحم ولا فيما لا يملك "
¥