تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقوله: (لم يسمه) أي لم يعينه الناذر بأن قال: إني نذرت نذراً أو على نذر ولم يعين أنه صوم أو غيره (كفارة يمين) فيه دليل على أن كفارة اليمين إنما تجب فيما كان من النذور غير مسمى. قال النووي: اختلف العلماء في المراد بهذا الحديث يعني حديث عقبة بن عامر الذي أخرجه مسلم بلفظ كفارة النذر كفارة اليمين فحمله جمهور أصحابنا على نذر اللجاج فهو مخير بين الوفاء بالنذر أو الكفارة. وحمله مالك وكثيرون أو الأكثرون على النذر المطلق كقوله عليّ نذر، وحمله جماعة من فقهاء الحديث على جميع أنواع النذر، وقالوا هو مخير في جميع أنواع المنذورات بين الوفاء بما التزم وبين كفارة اليمين انتهى. قال الشوكاني: والظاهر اختصاص الحديث يعني حديث مسلم المذكور بالنذر الذي لم يسم، لأن حمل المطلق على المقيد واجب، وأما النذور المسماة إن كانت طاعة فإن كانت غير مقدورة ففيها كفارة يمين، وإن كانت مقدروة وجب الوفاء بها سواء كانت متعلقة بالبدن أو بالمال، وإن كانت معصية لم يجز الوفاء بها ولا ينعقد ولا يلزم فيها الكفارة، وإن كانت مباحة مقدورة فالظاهر الانعقاد ولزوم الكفارة لوقوع الأمر بها في الأحاديث في قصة الناذرة بالمشي إلى بيت الله، وإن كانت غير مقدورة ففيها الكفارة لعموم: ومن نذر نذراً لم يطقه. هذا خلاصة ما يستفاد من الأحاديث الصحيحة انتهى.

واحتج بعض الحنابلة بأنه ثبت عن جماعة من الصحابة ولا يحفظ عن صحابي خلافه قال والقياس يقتضيه , لأن النذر يمين كما وقع في حديث عقبة لما نذرت أخته أن تحج ماشية لتكفر عن يمينها فسمي النذر يمينا , ومن حيث النظر هو عقدة لله تعالى بالتزام شيء , والحالف عقد يمينه بالله ملتزما بشيء ثم بين أن النذر آكد من اليمين ورتب عليه أنه لو نذر معصية ففعلها لم تسقط عنه الكفارة بخلاف الحالف , وهو وجه للحنابلة , واحتج له بأن الشارع نهى عن المعصية وأمر بالكفارة فتعينت.

* وقال ابن القيم فى تهذيب سنن ابى داود:

وقد روى مسلم في صحيحه من حديث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "كفارة النذر كفارة اليمين".

وهذا يتناول نذر المعصية من وجهين.

أحدهما: أنه عام لم يخص منه نذر دون نذر.

الثاني: أنه شبهه باليمين، ومعلوم: أنه لو حلف على المعصية وحنث لزمه كفارة يمين، بل وجوب الكفارة في نذر المعصية أولى منها في يمين المعصية لما سنذكره.

قالوا: ووجوب الكفارة قول عبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله، وعمران بن حصين وسمرة بن جندب، ولا يحفظ عن صحابي خلافهم.

قالوا: وهب أن هذه الاَثار لم تثبت، فالقياس يقتضي وجوب الكفارة فيه، لأن النذر يمين، ولو حلف ليشربن الخمر، أو ليقتلن فلاناً، وجبت عليه كفارة اليمين وإن كانت يمين معصية فهكذا إذا نذر المعصية.

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تسمية النذر يميناً ـ لما قال لأخت عقبة لما نذرت المشي إلى بيت الله فعجزت تكفر يمينها، وهو حديث صحيح.

وعن عقبة مرفوعاً وموقوفاً "النذر حلفة".

وقال ابن عباس في امرأة نذرت ذبح ابنها "كفري يمينك".

فدل على أن النذر داخل في مسمى اليمين في لغة من نزل القران بلغتهم.

وذلك أن حقيقته هي حقيقة اليمين فإنه عقده لله ملتزماً له، كما أن الحالف عقد يمينه بالله ملتزماً حلف عليه، بل ما عقد لله أبلغ وألزم مما عقد به فإن ما عقد به من الأيمان لا يصير باليمين واجباً، فإذا حلف على قربة مستحبة ليفعلنها لم تصر واجبة عليه، وتجزئه الكفارة ولو نذرها وجبت عليه ولم تجزئه الكفارة.

فدل على أن الالتزام بالندر اكد من الالتزام باليمين، فكيف يقال: إذا التزم معصية بيمينه وجبت عليه الكفارة، وإذا التزمها بنذره الذي هو أقوى من اليمين فلا كفارة فيها فلو لم يكن في المسألة إلا هذا وحده لكان كافياً.

ومما يدل على أن النذر اكد من اليمين. أن الناذر إذا قال: لله علي أن أفعل كذا فقد عقذ نذره بجزمه أيمانه بالله، والتزامه تعظيمه، كما عقدها الحالف بالله كذلك، فهما من هذه الوجوه سواء، والمعنى الذي يقصده الحالف ويقوم بقلبه هو بعينه مقصود للناذر قائم بقلبه ويزيد النذر عليه أنه التزمه لله، فهو ملتزم من وجهين: له، وبه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير