والحالف إنما التزم ما حلف عليه خاصة، فالمعنى الذي في اليمين داخل في حقيقة النذر فقد تضمن النذر اليمين وزيادة، فإذا وجبت الكفارة في يمين المعصية فهي أولى بأن تجب في نذرها.
ولأجل هذه القوة والتأكيد: قال بعض الموجبين للكفارة فيه: إنه إذا نذر المعصية لم يبرأ بفعلها، بل تجب عليه الكفارة عيناً، ولو فعلها لقوة النذر، بخلاف ما إذا حلف عليها، فإنه إنما تلزمه الكفارة إذا حنث، لأن اليمين أخف من النذر. أ.هـ
ولعل كلام الشوكانى من أعدل الكلام والله تعالى أعلى وأعلم ...
*وجوب الوفاء بنذر الطاعة:
*قال تعالى:" يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ..... (1 المائدة).
فى هذه الآية أمر الله سبحانه بالوفاء بالعقود؛ قال الحسن: يعني بذلك عقود الدين وهي ما عقده المرء على نفسه؛ من بيع وشراء وإجارة وكراء ومناكحة وطلاق ومزارعة ومصالحة وتمليك وتخيير وعتق وتدبير وغير ذلك من الأمور، ما كان ذلك غير خارج عن الشريعة؛ وكذلك ما عقده على نفسه لله من الطاعات، كالحج والصيام والاعتكاف والقيام والنذر وما أشبه ذلك من طاعات ملة الإسلام.
*وقال تعالى:" ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29 الحج).
قوله تعالى: "وليوفوا نذورهم" أمروا بوفاء النذر مطلقا إلا ما كان معصية؛ لقوله عليه السلام: (لا وفاء لنذر في معصية الله)، وقوله: (من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه)
وقوله تعالى: "وليوفوا نذورهم" يدل على وجوب إخراج النذر إن كان دما أو هديا أو غيره، ويدل ذلك على أن النذر لا يجوز أن يأكل منه وفاء بالنذر، وكذلك جزاء الصيد وفدية الأذى؛ لأن المطلوب أن يأتي به كاملا من غير نقص لحم ولا غيره.
*وقال تعالى:" يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) الصف.
هذه الآية توجب على كل من ألزم نفسه عملا فيه طاعة أن يفي بها ..... فإن من التزم شيئا لزمه شرعا. والملتزم على قسمين:
أحدهما: النذر، وهو على قسمين، نذر تقرب مبتدأ كقول: لله علي صلاة وصوم وصدقة، ونحوه من القرب. فهذا يلزم الوفاء به إجماعا. ونذر
مباح وهو ما علق بشرط رغبة، كقوله: إن قدم غائبي فعلي صدقة، أو علق بشرط رهبة، كقوله: إن كفاني الله شر كذا فعلي صدقة. فاختلف العلماء فيه، فقال مالك وأبو حنيفة، يلزمه الوفاء به. وقال الشافعي في أحد أقوال: إنه لا يلزمه الوفاء به. وعموم الآية حجة لنا، لأنها بمطلقها تتناول ذم من قال ما لا يفعله على أي وجه كان من مطلق أو مقيد بشرط.
والثانى الوعد: قال ابن العربي: فإن كان المقول منه وعدا فلا يخلو أن يكون منوطا بسبب كقوله: إن تزوجت أعنتك بدينار، أو ابتعت حاجة كذا أعطيتك كذا. فهذا لازم إجماعا من الفقهاء. وإن كان وعدا مجردا فقيل يلزم بتعلقه ... قال القرطبى: والصحيح عندي: أن الوعد يجب الوفاء به على كل حال إلا لعذر. قلت: قال مالك: فأما العدة مثل أن يسأل الرجل الرجل أن يهب له الهبة فيقول له نعم؛ ثم يبدو له ألا يفعل فما أرى ذلك يلزمه ... فأما في مكارم الأخلاق وحسن المروءة فنعم. وقد أثنى الله تعالى على من صدق وعده ووفى بنذره فقال: "والموفون بعهدهم إذا عاهدوا" [البقرة: 177]، وقال تعالى: "واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد" [مريم: 54].
*وقال تعالى:" يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7 الإنسان).
قوله تعالى: "يوفون بالنذر" أي لا يخلفون إذا نذروا ... وقال مجاهد وعكرمة: يوفون إذا نذروا في حق الله جل ثناؤه ... وقال الكلبي: "يوفون بالنذر" أي يتممون العهود والمعنى واحد .... وروى أشهب عن مالك أنه قال: "يوفون بالنذر" هو نذر العتق والصيام والصلاة .... وروى عنه أبو بكر بن عبد العزيز قال مالك. "يوفون بالنذر" قال: النذر: هو اليمين .... بل ويلزم الوفاء عن الميت نذره ففى الحديث عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً اقْضُوا اللَّهَ فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ" ... [خ ... ك ... الحج].