وقال أيضا: فلعنهم الله وأخزاهم ودمرهم ولعن من يحبهم ويتأول لهم مع علمه بفساد عقائدهم ما دام الملوان وتعاقب الجديدان فلقد عم ضررهم وطار شررهم وغوا أمما بما لبسوا به من إظهار طريقة الصوفية ... وإنما جعلوها شبكة لأرباب العقول الضعيفة والآراء السخيفة، وأما ثناء من أثنى عليهم فهو إما أن يعتقد ما اعتقدوه فهو منهم فلا عبرة بثنائه عليهم ومدحه إياهم وإما لا يعتقد ذلك ولكنه صوفي سمع بأنهم صوفية أهل عبادة وزهادة فأثنى عليهم من هذا الوجه مع عدم معرفته لعقائدهم الكفرية وعدم وقوفه على تصانيفهم وما فيها من الضلال والمحال فلا يكون ثناؤه عليهم حجة.
وقال أيضا: تستروا بالتصوف والنسك والعبادة كابن عربي صاحب الفصوص والفتوحات وابن سبعين وأتباعهما كالقونوي تلميذ ابن عربي والقيصري شارح الفصوص وعبد الكريم الكيلاني صاحب الكمالات والإنسان الكامل وغيرهم، لعنة الله عليهم وعلى معتقدي عقيدتهم وسالكي طريقتهم.
3 - عدم التأويل لهم:
إنكاره التأويل لهؤلاء أشد الإنكار ويعتبره زلة لا تقال، وإن صدر من أكابر الفقهاء كالشيخ زكريا الأنصاري قال: أما ما وقع للشيخ زكريا رحمه الله في شرح الروض من رده على ابن المقرئ في تكفير طائفة ابن عربي وقوله إن مقالاته -أي ابن عربي- من باب اصطلاح الصوفية، فذلك دليل على أنه رحمه الله لم يقف على كلامه ولا عرف ما فيه وسمع بزهادته وعبادته فحمله حسن الظن على اعتقاده والذب عنه، ولعمري إنها غلطة منه لا يقال عثرها، وهفوة أحرق الدين شرارها، وإقدام لكان الواجب فيه التأخر، واستعجال كان المتعين فيه التمهل والتدبر، وقد قال أهل التحقيق: اعرفوا الرجال بالحق ولا تعرفوا الحق بالرجال، والله يتجاوز عنا وعنه ا. هـ.
المقام الرابع: مكانة بامخرمة
تتمة لتقوية هذا الصوت الذي تصدى لأفكار ابن عربي ينبغي الالتفات قليلا إلى مكانته العلمية حتى نعرف مدى تأثير هذا الإمام، فقد فاق الفقيه تقي الدين الأقران تفوقا لا يشذ عنه من ألقيت إليه مقاليد تقرير المذهب الشافعي، أعني ابن حجر، وقبل أن يبادر بعضهم بالإنكار أقول إن المعروف أن علماء حضرموت قد ذهبوا إلى أن المعتمد في المذهب ما قاله ابن حجر في التحفة كما عبّر عن ذلك الشيخ علي عبد الرحيم باكثير فقال
وشاع ترجيح مقال ابن حجر في يمن وفي الحجاز فاشتهر
وفي اختلاف كتبه في الرجح الأخذ بالتحفة ثم الفتح
ولكن مع هذا المذهب الذي ذهبوا إليه إلا أننا نجد اعترافًا منهم للفقيه تقي الدين بامخرمة بسعة العلم، ففي المقاصد السنية للشيخ محمد بن عبد الله باسودان قال: رأيت نقلًا عن شيخ والدي الجليل الشيخ حامد بن عمر حامد باعلوي نفع الله به ما نصه: معتمد سلفنا العلويين على ما قاله الشيخ ابن حجر، وليس ذلك لكثرة علمه فإن الشيخ عبد الله بامخرمه أوسع علمًا منه، ولكن ابن حجر له إدراك قوي أحسن منه بل ومن غيره من الفقهاء المصنفين فلذا اعتمده سلفنا بتريم (7).
ومما يدل على ذلك أنه قد ظهر له إشكال في مسألة في باب الحيض وسأل عنها جماعة من شيوخ العصر مشافهة منهم عمه الطيب بن عبد الله بامخرمه ومحمد بن عمر باقضام وأبا العباس الطنبداوي الزبيدي فما زاد أحد منهم القول بأنها مشكلة لا يهتدي إليها، قال: ثم لما حججت في سنة ست وأربعين وتسعمائة اجتمعت بالشيخ أبي الحسن البكري وتلميذه ابن حجر وذاكرت كلًّا منهما على حده في هذه المسألة فخلطا فيها تخليطًا لا يصدر ممن يعرف الفقه فعرفتهما بتخليطهما ورددته عليهما ا. ه (8).
قلت: لعلها التي عناها ابن حجر في الفتاوى الكبرى بقوله (ولقد وقعت بين فضلاء اليمن مباحث في عويصاته -الحيض- حتى حج بعضهم ممتحنًا أو مسائلًا عنها فألفت تأليفًا نفيسًا فغلب الحسد على بعض من لا توفيق عنده فسرق ذلك التأليف قبل كتابة نسخة أخرى منه… (9).
وله نكت وتعليقات على تحفة ابن حجر كما أن له تعقبات على فتاويه حدت هذه التعليقات والتعقبات بالشيخ عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف أن يقول: وما زلنا نتلقى من أفواه الرجال عن الشيخ عبد الله بن عمر بامخرمة أنه يحرم الإفتاء من كتب ابن حجر، فنحسب أنه غيران حمله على ذلك تنافس الأقران ثم ظهر بعد التفكير أن قد أصاب فلا نكير (10).
المقام الخامس: خلاصة الموضوع
¥