لكن هذه الرقية لم أجدها في كتاب أبي عبيد، وقد ذكر قول الأصمعي في معنى النملة كما تقدم ولم يذكر هذه الرقية، وقد روى عنه الحاكم تفسيره لمعنى النملة بالإسناد الذي يروي به كتاب غريب الحديث لأبي عبيد من طريق محمد بن الحسن عن علي بن عبد العزيز البغوي عن أبي عبيد، فقد يكون في النسخ اختلاف قديم أو إن الزبيدي نقل عن غير كتاب الغريب، وقد بحثت في كتاب الأموال لأبي عبيد وكتاب الأمثال وكتاب الإيمان ولم أظفر بأصل ما نقله عنه.
وأعجب من ذلك قول المناوي في التيسير: (النملة: ورقيتها العروس تحتفل وتختضب وتكتحل وكل شيء تفتعل غير أن لا تعاصي الرجل، أبو عبيد في كتاب الغريب عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة).
وأعجب منهما ما ذكره ابن الجوزي فيما سبق نقله.
وعلى ذلك فالهيثم بن عدي هو أبو عبد الرحمن الطائي متروك الحديث، قال يحيى بن معين: كان يكذب ليس بثقة، وقال أبو داوود: كذاب، وقال النسائي وغيره: متروك الحديث، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار).
تأويل وجوابه
قالَ ابنُ الأثِيرِ الجَزَرِيُّ (ت:606هـ): (النَّمْلَةُ: قُرُوحٌ تَخْرُجُ فِي الجَنْبِ.
(س ه) وَمِنْهٌ الحديث قال لِلشَّفَّاء: ((عَلِّمي حَفْصةَ رُقْيةَ النَّملة))
قِيلَ: إِنَّ هَذا مِن لُغَزِ الكَلامِ ومُزَاحِهِ كَقَوْلِهِ للعَجُوزِ: ((لا تَدْخُلُ العُجُز الجنة)).
وَذَلِكَ أَنَّ رُقْيةَ النَّمْلَةِ شَيْءٌ كَانت تَسْتَعْمِلُهُ النِّسَاءُ يَعلَمُ كُلُّ مَن سَمِعَهُ أَنَّهُ كَلامٌ لا يَضُرُّ ولا يَنْفَعُ.
وَرُقْيَةُ النَّمْلَةِ الَّتِي كَانَت تُعْرَف بَيْنَهُنَّ أَن يُقَالَ: العَرُوسُ تَحْتَفِل وتَخْتَضِب وتَكْتَحِل وكُلَّ شَيْءٍ تَفْتَعِلُ غيرَ ألاّ تَعْصِيَ الرجُلَ
ويُرْوَى عِوَضَ تَحْتَفِل [تَنْتَعِل] وعِوَض تَخْتَضِبُ [تَقْتال] فأرادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهَذَا المَقَالِ تَأْنِيبَ حَفْصَةَ لأَنَّهُ ألْقَى إِلَيْهَا سِراًّ فأفْشَتْه). [النهاية في غريب الحديث:]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ مُوسَى الدَّمِيرِيُّ (ت:808هـ): (رَوَى أَبو دَاوودَ والحَاكِمُ وصَحَّحَهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ للشفَاءِ بنتِ عَبْدِ اللهِ: ((عَلِّمِي حَفْصَةَ رُقْيَةَ النَّمْلَةِ كَمَا عَلَّمْتِهَا الكِتَابَةَ)).
وفي صحيحِ مسلمٍ أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليهِ وسَلَّم أَرْخَصَ فِي الرُّقْيَةِ مِنَ النَّمْلَةِ، وَالنَّمْلَةُ قُروحٌ تَخْرُجُ فِي الجَنبِ مِنَ البَدَنِ، وَرُقْيَتُهَا شَيءٌ كَانت تَسْتَعْمِلُهُ النِّسَاءُ، يَعْلَمُ كُلُّ مَن سَمِعَهُ أَنَّهُ كَلامٌ لا يَضُرُّ وَلا يَنْفَعُ، وَهُوَ أَن يُقَالَ: العَرُوسُ تَحْتَفِلُ وَتَخْتَضِبُ وَتَكْتَحِلُ، وَكُلَّ شَيْءٍ تَفْتَعِلُ، غَيْرَ أَن لا تَعْصِيَ الرَّجُلَ.
أَرَادَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهَذَا المقَالِ تَأْنِيبَ حَفْصَةَ، لأَنَّهُ أَلْقَى إِلَيْهَا سِرًّا فَأَفْشَتْهُ؛ فَكَانَ هَذَا مِن لَغْوِ الكَلامِ وَمُزَاحِهِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعَجُوزِ: ((لا تَدْخُلِ الجنَّةَ عَجُوزٌ))). [حياة الحيوان: باب النون]
قالَ الأَلْبَانِيُّ: ((رقية النملة) قالَ الشَّوكَانِيُّ في تَفسيرِهَا: (هِيَ كَلامٌ كَانت نِسَاءُ العَرَبِ تَستعمِلُهُ، يَعلمُ كُلُّ مَن سَمِعَهُ أَنَّهُ كَلامٌ لا يَضرُّ وَلا ينفعُ، وَرُقْيَةُ النَّملة الَّتي كَانت تُعْرَفُ بينهنَّ أَن يُقَالَ: العَرُوسُ تَحْتَفِلُ وَتَخْتَضِبُ، وَتَكْتَحِلُ، وَكُلَّ شَيْءٍ تَفْتَعِلُ، غَيرَ أَن لا تَعْصِيَ الرَّجُلَ).
كَذَا قَالَ، وَلا أَدْرِي مَا مُسْتَنَدُهٌ في ذَلِكَ، ولا سِيَّمَا وَقَدْ بَنَى عَليهِ قَولَهُ الآتِي تَعلِيقًا على قولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((أَلا تُعَلِّمِينَ هَذِهِ ... )): (فَأرَادَ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ بهَذَا المقالِ تَأنيبَ حَفصةَ وَالتَّأدِيبَ لَهَا تَعريضًا، لأَنَّهُ أَلقَى إِليهَا سِرًا فَأَفْشَتْهُ عَلَى ما شَهِدَ بهِ التَّنزِيلُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} الآيَةَ).
¥