وَلَيْتَ شِعْري مَا علاقَةُ الحديثِ بالتأنيبِ لإفشاءِ السرِّ، وَهو يقولُ: ((كَمَا عَلَّمْتِهَا الكِتَابَ)) فَهَلْ يَصِحُّ تَشْبيهُ تَعليمِ رُقيةٍ لا فَائِدَةَ مِنهَا بتَعْليمِ الكِتابةِ؟!
وَأيضًا فالحديثُ صريحٌ في أمرِهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّمَ للشفَاءِ بتَرْقِيَةِ الرَّجُلِ الأَنصارِيِّ مِنَ النَّمْلَةِ وأَمْرِهِ إِيَّاهَا بأَن تُعَلِّمَهَا لِحَفْصَةَ، فَهلْ يُعْقَلُ بأَن يأمُرَ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ بهذِه التَّرْقِيَةِ لَو كانَ باللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّوْكَانِيُّ بدُونِ أَيِّ سَنَدٍ وَهُوَ بلا شَكٍّ كَمَا قالَ: كَلامٌ لا يَضُرُّ وَلا يَنْفَعُ؛ فَالنَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَى مِنْ أَن يَأْمُرَ بمثلِ هَذِهِ التَّرْقِيَة، وَلَئِن كَانَ لَفْظُ رِوَايةِ أَبي دَاوودَ يَحْتَمِلُ تَأْويلَ الحدِيثِ عَلَى التَّأنيبِ المزْعُومِ، فَإِنَّ لَفْظَ الحَاكِمِ هَذَا الَّذي صَدَّرْنَا بهِ هَذَا البَحْثَ لا يَحْتَمِلُهُ إِطلاقًا، بَل هُو دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى بُطْلانِ ذَلِكَ التَّأْويلِ بُطْلانًا بَيِّنًا كَمَا هُو ظَاهِرٌ لا يَخْفَى، وَكَأَنَّهُ لِذَلِكَ صَدَّر ابنُ الأَثيرِ في " النهاية " تفسيرَ الشَّوكَانِيِّ المذكورِ لِرُقْيَةِ النَّمْلَةِ وَعَنْهُ نَقَلَهُ الشَّوْكَانِيُّ، صَدَّرَهُ بقَوْلِهِ: (قِيلَ) مُشِيرًا بذَلِكَ إِلَى ضَعْفِ ذَلِكَ التَّفْسِيرِ وَمَا بَنَاهُ عَلَيْهِ مِن تَأويلِ قَولِهِ: ((ألا تعلمين ... ))). [السلسلة الصحيحة: 1/ 289]
* رقية أخرى لا تجوز
قالَ مُحَمَّدُ بنُ مُوسَى الدَّمِيرِيُّ (ت:808هـ): (وَرَأَيْتُ فِي بَعْضِ الكُتُبِ بِخَطِّ بَعْضِ الأَئِمَّةِ الحُفَّاظِ: أَنَّ رُقْيَةَ النَّمْلَةِ أَن يَصُومَ رَاقِيهَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ، ثُمَّ يَرْقِيهَا بُكْرَةَ كُلِّ يَوْمٍ مِنَ الثَّلاثَةِ، عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَيَقُولُ: اقسطري وانبرجي فقد نوه بنوه بربطش ديبقت اشف أيها الجرب بألف لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ويكون في إصبعه زيت طيب، يمسح به عليها ويتفل على الموضع عقب الرقية قبل المسح بالزيت فافهم). [حياة الحيوان: باب النون]
قلت: (هذه الرقية جمعت البدعة والشرك والتلبيس والعياذ بالله.
وقد نهى العلماء عن الرقية بما لا يعرف معناه لأنه مظنة للشرك والاستغاثة بالشياطين
قالَ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ (ت:189هـ): (لا بَأْسَ بالرُّقَى بما كَانَ فِي القُرْآنِ وَمَا كَانَ مِن ذِكْرِ اللهِ فَأَمَّا مَا كَانَ لا يُعْرَفُ مِن كَلامٍ فَلا يَنْبَغِي أَنْ يُرْقَى بهِ). [الموطأ برواية محمد بن الحسن:3/ 337]
قالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الخَطَّابِيُّ (ت:388هـ): (فَأَمَّا الرُّقَى فَالمنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ مَا كَانَ مِنْهَا بغَيْرِ لِسَانِ العَرَبِ فَلا يُدْرَى مَا هُوَ وَلَعََلَّهُ قَدْ يَدْخِلُهُ سِحْراً أوكُفْرًا، فَأَمَّا إِذَا كَانَ مَفْهُومَ المعْنَى وَكَانَ فِيهِ ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ مُتَبَرَّكٌ بهِ وَاللهُ أَعْلَمُ). [معالم السنن:
قالَ أَحْمَدُ بنُ الحُسَينِ البَيهَقِيُّ (ت:458هـ): (وَأَمَّا الرُّقَى وَالتَّمَائِمُ فَإِنَّمَا أَرَادَ عَبْدُ اللَّهِ مَا كَانَ بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِيَّةِ مِمَّا لاَ يُدْرَى مَا هُوَ). [السنن الكبرى:9/ 350]
قالَ ابنٌ تَيْمِيَّةَ (ت:728هـ): (وَعَامَّةُ مَا بِأَيْدِي النَّاسِ مِنْ الْعَزَائِمِ وَالطَّلاسِمِ وَالرُّقَى الَّتِي لا تُفْقَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ فِيهَا مَا هُوَ شِرْكٌ بِالْجِنِّ.
وَلِهَذَا نَهَى عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ الرُّقَى الَّتِي لا يُفْقَهُ مَعْنَاهَا؛ لأَنَّهَا مَظِنَّةُ الشِّرْكِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الرَّاقِي أَنَّهَا شِرْكٌ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأشجعي قَالَ: كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟
فَقَالَ: ((اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ لا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ)).
¥