تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعمل الإنسان كتب قبل أن تخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، ولهذا سئل النبي، صلى الله عليه وسلم، عما نعمله في هذه الدنيا من أعمال الدنيا والآخرة هل هو شيء مستأنف أو شيء قد فرغ منه؟ فأخبر أنه قد فرغ منه، وقال: "ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار". قالوا: يا رسول الله، أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب الأول؟ قال: "لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له".

فعملك مكتوب، ولكن لو سئلت هل تعلم ما كتب لك من العمل؟ لا تدري ماذا يكون لك في الغد قال الله تعالى:] وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ً [. فإذا كنت لا تدري فإنه يبطل احتجاجك بالقدر، ولهذا أبطل الله حجة الذين يحتجون على شركهم بالقدر، فقال سبحانه:] سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا [.ووجه إبطال هذه الحجة قوله تعالى:] حتى ذاقوا بأسنا [. ولو كان لهم حجة في ذلك ما أذاقهم الله بأسه، فإذا كنت لا تدري ماذا كتب لك فلا احتجاج لك بالقدر، ولهذا فأنت لا تدري ماذا كتب لك من الرزق، ولهذا تسعى في طلب الرزق، والعمل كالرزق مقدور لك ولكن يجب عليك أن تسعى للعمل كما تسعى للرزق وتقوم بطاعة الله.

وكذلك فلا احتجاج لأحد بالقدر على معصية الله، فمن الناس من إذا أمرته بالطاعة أجابك بكلمة حق أريد بها باطل، فيقول: نسأل الله أن يهدينا. ولا شك أن الإنسان ينبغي أن يسأل الله الهداية لكن هذا أراد بقوله دفع اللوم عن نفسه ولو كان صادقاً في طلب الهداية لجد في الهداية وعمل لها. فكما أنك لن ترزق الولد بمجرد التمني بل لابد أن تأخذ بأسبابه فتتزوج فإنك لكي تنال الهداية لابد أن تتجه إلى ربك، وإذا اتجهت إليه سبحانه فثق أن ما يؤتيك الله سبحانه أكثر من عملك. وفي الحديث القدسي: "من عادى لي ولياً فقد إذاًته بالحرب، وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعإذاًي لأعيذنه". فانظر ما يؤتيك الله سبحانه وتعالى إذا تقربت إليه يكون سمعك، وبصرك، ويدك ورجلك، أي يسددك في جميع أعمالك، في كل ما تدركه بجوارحك، وإذا سألته أعطاك، وإذا استعذت به أعاذك.

وثبت كذلك عن رسول الله، عليه الصلاة والسلام أنه أخبر عن ربه أن من تقرب إلى الله شبراً تقرب الله إليه ذراعاً، ومن تقرب إليه ذراعاً تقرب إليه باعاً، ومن أتاه يمشي أتاه الله هرولة. فأقبل على ربك تجد أكثر بكثير من عملك، أما أن تعرض وتقول: أسأل الله أن يهديني. فهذا أشبه ما يكون بالاستهزاء بالله سبحانه.

ولهذا فنقول لمن يزعم أنه يترك العمل ويتكل على ما كتب، نقول له: اعمل فقد جاءتك الرسل ونزلت الكتب وبين الخير ورغب فيه، وبين الشر وحذر منه، وأوتيت عقلاً فما عليك إلا أن تقوم بما يقتضيه هذا العقل من اتباع ما جاءت به الرسل. ولهذا قال، صلى الله عليه وسلم:"اعملوا فكل ميسر لما خلق له" ثم تلا قول الله عز وجل:] فأما من أعطى واتقى. وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى.وأما من بخل واستغنى. وكذب بالحسنى. فسنيسره للعسرى [.

وهؤلاء الذين يحتجون بالقدر لو ضربهم أحد أو أخذ مالهم ثم احتج عليهم بأن هذا قضاء وقدر فلن يقبلوا، ولهذا فالاحتجاج بالقدر إبطال للشرع، لأن كل من يقترف إثماً من زنى، أو قتل، أو شرب خمر، وغيره سيقول: هذا قضاء وقدر فتفسد الأرض ويفسد الشرع.

وقد ذكر أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتي بسارق فأمر بقطع يده، فقال السارق: مهلاً يا أمير المؤمنين، والله ما سرقت إلا بقضاء الله وقدره، فقال عمر: ونحن نقطع يدك بقضاء الله وقدره. فاحتج عليه عمر بما احتج به هو على عمله السييء.

وقد يورد البعض هنا ما جاء في السنة من احتجاج آدم على موسى بقوله: "أتلومني على شيء كتبه الله علي قبل أن أخلق". وذلك حين قال موسى لآدم: "خيبتنا، أخرجتنا ونفسك من الجنة". فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: "فحج آدم موسى" أي غلبه في الحجة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير