المالكي رحمه الله: فقول الإمام (إمام دار الهجرة مالك) رضي الله عنه "إن تعلمَ السحر وتعليمه كفر وإن لم يعمل به." ظاهر في الغاية إذ تعظيم الشياطين ونسبة الكائنات إليها لا يستطيع عاقل يؤمن بالله أن يقول فيه أنه ليس بكفر. [الشرح الكبير: الشيخ الدردير (4/ 302)].
أختاه! ولما كان الساحر كافرا يسعى في الأرض فسادا, كانت عقوبته في الإسلام القتل ضربة بالسيف -يتولى تنفيذها الحاكم الذي يسوس شؤون المسلمين سدا لباب الفوضى- ولا تقبل توبته, تطهيرا للمجتمع منه ومن أمثاله ودفعا للضرر الحاصل منهم ودرءا للمفاسد المهلكة لقلوب العباد والماحقة لأمن البلاد، وردعا لمن يريد تقليدهم واتباعهم. فقد أرسل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بكتاب إلى عامله جَزْءِ بن معاوية قبل موته؛ فيه: "اقتلوا كل ساحر .... فقتلوا في يوم ثلاثة سواحر .... " [2] , وروى الإمام مالك رحمه الله في الموطأ [3] عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنه بلغه: "أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قتلت جارية لها سحرتها وقد كانت دبرتها فأمرت بها فقُتلت". وعن جندب رضي الله عنه قال: "حد الساحر ضربة بالسيف". [4]
فهذه ثلاثة آثار عن الصحابة رضي الله عنهم في قتل الساحر وهم عمر بن الخطاب وزير رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفصة أم المؤمنين رضي الله عنها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وجندب الخير [بن كعب الأزدي] رضي الله عنه.
وقال مالك قدس الله روحه: هُوَ كَالزِّنْدِيقِ إذَا عَمِلَ السِّحْرَ بِنَفْسِهِ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ. [انظر: التاج والإكليل لمختصر خليل12/ 47].
وقال مالك الصغير ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: يقتل الزنديق، ولا تقبل توبته وهو الذي يُسِّر الكفر ويظهر الإسلام، وكذلك الساحر ولا تقبل توبته. رسالة القيرواني (1/ 587).
أختاه! ما ذهاب الناس إلى السحرة إلا لنَزغات الوسوسة حتى إنهم إذا شعروا بأدنى شيء في أجسادهم أو نفوسهم من وجع أو صداع أو مرض أو كسل أو كراهية زوج أو محبة قريب أو غيرها: ربطوا ذلك كله بالسحر, فعلقوا القلوب به وخافوا من أصحابه (شياطين الإنس والجن). والحق يا أختاه! أن الساحر كاذب ومخادع وهو إلى جنب ذلك خاسر ولا يفلح أبدا, قال عز وجل: ?وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ?. [يونس: 77] , وقال سبحانه أيضا: ?وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى?. [طه: 69] , والسحر باطل وفاسد, قال جل ثناؤه: ?قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ?. [يونس: 81].
أختاه! أبعدما تبين لك كل هذا تذهبين إلى السحرة؟ إلى عدو الله ورسوله صلى الله عليه وسلم! تذهبين لتلقي بنفسك إلى التهلكة وبمالك في سخط الله ومقته بدعوى المشاكل والهموم الدنيوية! تذهبين إلى الهلاك والضلال والعذاب! تذهبين إلى من ضرُّه أقرب إليكِ من نفعه!! قال رب العزة: ?وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ?. [البقرة: 102] , ماذا يفعل لك بشر لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلا بإذن الله؟ فكيف يستطيع ذلك لغيره؟! اُنظري إلى وكره القذر الذي يعيش فيه عيشة ضنكا مع قرينه الشيطان الذي استحوذ عليه غافلا فأنساه ذكر مولاه, وإلى وجهه الذي يستقبل به الناس: فسترين ظلمة الكفر مسدولة عليه كأنها غمامة سوداء, فلِمَ لا يغير من حاله؟! وكوني على يقين أن السحرة لو اجتمعوا في مكان واحد وزمان واحد من أولهم إلى آخرهم من كل بلاد الدنيا ليكيدوا لمسلم أمرا ما ضروه إلا بإذن الله الواحد الأحد, قال العليم الخبير: ?وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ?. [البقرة: 102] , وقال السراج المنير صلى الله عليه وسلم: «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف». [5]
¥