"والجهم هو أول من أظهر هذا الكلام في الإسلام وطرد قياسه بأن ما كان له ابتداء فلا بد أن يكون له انتهاء وأن الدليل الدال على امتناع ما لا يتناهى لا يفرق بين الماضي والمستقبل فقال بفناء الجنة والنار, وكان هذا مما أنكره عليه سلف الأمة وأئمتها مع إنكارهم عليه نفي الصفات والقول بخلق القرآن ونفى الرؤية الذي هو لازم قوله بهذه الحجة"
[الصفدية: 2/ 163]
ثانياً: شمس الدين ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى
إن الناظر في كتابي الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى (حادي الأرواح) و (شفاء العليل) يرى أن ابن القيم يذكر المذهبين في مسألة فناء النار, المذهب الأول: القائلين بخلودها, والثاني: القائلين بفنائها, ثم يشعر القارئ أن ابن القيم يميل إلى القول بفنائها ...
ولكن لنا وقفات مع ذلك:
أولاً: إن ابن القيم رحمه الله تعالى يذكر كثيراً في كتبه خلود أهل النار في النار, منها مثلاً قوله:
"فهكذا الفتنة بعبادة الأصنام وأشد فإن تأله القلوب لها أعظم من تألهها للصور التي يريد منها الفاحشة بكثير, والقرآن بل وسائر الكتب الإلهية من أولها إلى آخرها مصرحة ببطلان هذا الدين وكفر أهله وأنهم أعداء الله ورسله وأنهم أولياء الشيطان وعباده وأنهم هم أهل النار الذين لا يخرجون منها"
[إغاثة الهفان: 2/ 226].
ثانياً: إن ابن القيم لم يرجح مذهب القائلين بفناء النار صراحة.
ثالثاً: صرّح ابن القيم بخلود النار وبقائها في غير موضع, فقال في (نونيته) رداً على الجهم:
وقضى -أي الجهم- بأن النار لم تخلق ... ولا جنات عدن بل هما عدمان
فإذا هما خلقا ليوم معادنا ... فهما على الأوقات فانيتان
وتلطف العلاّف من أتباعه ... فأتى بضحكة جاهل مجان
قال الفناء يكون في الحركات لا ... في الذات واعجباً لذا الهذيان
أيصير أهل الخلد في جناتهم ... وجحيمهم كحجارة البنيان
ما حال من قد كان يغشى أهله ... عند انقضاء تحرك الحيوان
وكذاك ما حال الذي رفعت يدا ... ه أُكلة من صحفة وخِوَان
فتناهت الحركات قبل وصولها ... للفم عند تفتح الأسنان
وكذاك ما حال الذي امتدت يد ... منه إلى قنو من القنوان
فتناهت الحركات قبل الأخذ هل ... يبقى كذلك سائر الأزمان
تباً لهاتيك العقول فإنها ... والله قد مسخت على الأبدان
تباً لمن أضحى يقدمها على الـ ... آثار والأخبار والقرآن
وصرّح ابن القيم بخلود النار وبقائها في كتابه (الوابل الصيّب) ولم يذكر مذهب القائلين بالفناء, وهذا يدل على رجحان مذهب خلود النار عنده, فقال رحمه الله:
"وأما النار فإنها دار الخبث في الأقوال والأعمال والمآكل والمشارب ودار الخبيثين فالله تعالى يجمع الخبيث بعضه إلى بعض فيركمه كما يركم الشئ لتراكب بعضه على بعض ثم يجعله في جهنم مع أهله فليس فيها إلا خبيث, ولما كان الناس على ثلاث طبقات: طيب لا يشينه خبيث وخبيث لا طيب فيه وآخرون فيهم خبث وطيب, دورهم ثلاثة: دار الطيب المحض ودار الخبيث المحض وهاتان الداران لا تفنيان ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى وهي دار العصاة فإنه لا يبقي في جهنم من عصاة الموحدين أحد فإنه إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة ولا يبقي إلا دار الطيب المحض ودار الخبث المحض" اهـ
[الوابل الصيب: 24]
رابعاً: من النص السابق يمكن التوفيق بين كلام ابن القيم بأنه يقول بفناء نار الموحدين, وببقاء نار الكافرين, حيث يقول: "ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى وهي دار العصاة فإنه لا يبقي في جهنم من عصاة الموحدين أحد"
والله أعلم
العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني:
قال العلامةُ الألباني - رحمهُ اللهُ - في نسبةِ القولِ بفناءِ النارِ إلى الإمامِ ابنِ القيمِ - رحمهُ اللهُ - ما نصهُ:
" ويؤسفني أن أقولَ: إن القاديانيةَ في ضلالهم المشارِ إليه آنفاً (ص 73) يجدون متكئاً لهم في بعضِ ما ذهبوا إليهِ في بعضِ كتبِ أئمتنا من أهلِ السنةِ، فقد عقد العلامةُ ابنُ القيمِ في كتابهِ " الحادي " فصلاً خاصاً في أبديةِ النارِ، أطال الكلامَ فيه جداً، وحكى في ذلك سبعةَ أقوالٍ، أبطلها كلها، سوى قولينِ منها:
الأولُ: أن النارَ لا يخرجُ منها أحدٌ من الكفارِ، ولكن الله عز وجل يفنيها، ويزولُ عذابها.
والآخرُ: أنها لا تفنى وأن عذابها أبدي دائمٌ.
¥