"هذا الخبر بهذا اللفظ ليس من كلام النبى وإنما هو من كلام بعض العلماء وقد إتفق سلف الأمة وائمتها وسائر اهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية كالجنة والنار والعرش وغير ذلك ولم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين كالجهم بن صفوان ومن وافقه من المعتزلة ونحوهم وهذا قول باطل يخالف كتاب الله وسنة رسوله وإجماع سلف الأمة وأئمتها كما فى ذلك من الدلالة على بقاء الجنة وأهلها وبقاء غير ذلك مما لا يتسع هذه الورقة لذكره وقد إستدل طوائف من اهل الكلام والمتفلسفة على إمتناع فناء جميع المخلوقات بأدلة عقلية والله أعلم".
[مجموع الفتاوى: 7/ 307, وبيان تلبيس الجهمية: 1/ 553].
وقال:
" ... و إنما يخالف في ذلك من شك كالجهم بن صفوان الذي يقول بفناء الجنة و النار و كأبي الهذيل الذي يقول بإنقطاع حركات أهل الجنة و النار فإن هذين أدعيا إمتناع و جود ما لا يتناهى فى الماضي و المستقبل و خالفهم جماهير المسلمين"
[مجموع الفتاوى: 8/ 380]
قال:
"ونعتقد ان الله تعالى خلق الجنة والنار وأنهما مخلوقتان للبقاء لا للفناء"
[مجموع الفتاوى: 5/ 77, والحموية: 55]
وقال:
"وقال أهل الإسلام جميعاً ليس للجنة والنار آخر، وإنهما لا تزالان باقيتين، وكذلك أهل الجنة لا يزالون في الجنة يتنعمون، وأهل النار في النار يعذبون، ليس لذلك آخر"
[درء تعارض العقل والنقل: 1/ 403]
وقال:
"قال الجهم بفناء الجنة والنار واشتد إنكار سلف الأمة عليه ذلك"
[درء تعارض العقل والنقل: 4/ 268]
وقال:
"والجهم هو أول من أظهر هذا الكلام في الإسلام وطرد قياسه بأن ما كان له ابتداء فلا بد أن يكون له انتهاء وأن الدليل الدال على امتناع ما لا يتناهى لا يفرق بين الماضي والمستقبل فقال بفناء الجنة والنار, وكان هذا مما أنكره عليه سلف الأمة وأئمتها مع إنكارهم عليه نفي الصفات والقول بخلق القرآن ونفى الرؤية الذي هو لازم قوله بهذه الحجة"
[الصفدية: 2/ 163]
ثانياً: شمس الدين ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى
إن الناظر في كتابي الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى (حادي الأرواح) و (شفاء العليل) يرى أن ابن القيم يذكر المذهبين في مسألة فناء النار, المذهب الأول: القائلين بخلودها, والثاني: القائلين بفنائها, ثم يشعر القارئ أن ابن القيم يميل إلى القول بفنائها ...
ولكن لنا وقفات مع ذلك:
أولاً: إن ابن القيم رحمه الله تعالى يذكر كثيراً في كتبه خلود أهل النار في النار, منها مثلاً قوله:
"فهكذا الفتنة بعبادة الأصنام وأشد فإن تأله القلوب لها أعظم من تألهها للصور التي يريد منها الفاحشة بكثير, والقرآن بل وسائر الكتب الإلهية من أولها إلى آخرها مصرحة ببطلان هذا الدين وكفر أهله وأنهم أعداء الله ورسله وأنهم أولياء الشيطان وعباده وأنهم هم أهل النار الذين لا يخرجون منها"
[إغاثة الهفان: 2/ 226].
ثانياً: إن ابن القيم لم يرجح مذهب القائلين بفناء النار صراحة.
ثالثاً: صرّح ابن القيم بخلود النار وبقائها في غير موضع, فقال في (نونيته) رداً على الجهم:
وقضى -أي الجهم- بأن النار لم تخلق ... ولا جنات عدن بل هما عدمان
فإذا هما خلقا ليوم معادنا ... فهما على الأوقات فانيتان
وتلطف العلاّف من أتباعه ... فأتى بضحكة جاهل مجان
قال الفناء يكون في الحركات لا ... في الذات واعجباً لذا الهذيان
أيصير أهل الخلد في جناتهم ... وجحيمهم كحجارة البنيان
ما حال من قد كان يغشى أهله ... عند انقضاء تحرك الحيوان
وكذاك ما حال الذي رفعت يدا ... ه أُكلة من صحفة وخِوَان
فتناهت الحركات قبل وصولها ... للفم عند تفتح الأسنان
وكذاك ما حال الذي امتدت يد ... منه إلى قنو من القنوان
فتناهت الحركات قبل الأخذ هل ... يبقى كذلك سائر الأزمان
تباً لهاتيك العقول فإنها ... والله قد مسخت على الأبدان
تباً لمن أضحى يقدمها على الـ ... آثار والأخبار والقرآن
وصرّح ابن القيم بخلود النار وبقائها في كتابه (الوابل الصيّب) ولم يذكر مذهب القائلين بالفناء, وهذا يدل على رجحان مذهب خلود النار عنده, فقال رحمه الله:
¥