تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا سيما بعد ما كفيتم مؤونة الإمام و الوعظ فاذعنوا لذلك وبه مات الشهيق و النهيق الذي كانوا يزعمون أنه ذكر الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وغاض ماء النذور الغمر:

(وساء ساوة أن غاضت بحيرتها .. ورد واردها بالغيظ حين ظمي)

ثم توجه الشيخ عبد الله بن حسن بارك الله في أعماله بأمر الملك أيده الله إلى المدينة ومعه معاونه الأستاذ الشيخ محمد بن التركي وكاتب هذه السطور و الأستاذ الشيخ محمد عبد الرزاق المصري خطيب المسجد النبوي ومراقب الأمور الدينية فيه إلى طيبة الطيبة لينظر الشيخ و معاونه في شؤونها الدينية فتفقد الدوائر كلها الأوقاف و المعارف و العسكريو و الشرطة و العدلية و الإدارة العامة ودائرة الأمير و نظمها الشيخ على أحسن ما يمكن وعزل بعض الموظفين ووضع لجماعة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر نظاما شرعيا يسيرون عليه ثم ألقى نظرة إلى مشائخ الطرائق فوجد أمرهم بالمدينة خفيا خفيفا وسترها لم يبحث عنهم أكثر من ذلك آخذا بقاعدة البدعة إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها وإذا ظهرت ضرت الناس كلهم. وقد كان أصحاب الطرائق في الزمن الماضي يجتمعون لأذكارهم المبتدعة بمسجد النبي صلى الله عليه و سلم بلا حياء ولا حشمة فلما دخل الإصلاح منعوا من ذلك وأمروا أن يذكروا الله في أنفسهم تضرعا و خيفة على وفق السنة فتركوا الاجتماع إلا التجانيين فإنهم نقلوا وظيفتهم من المسجد إلى الزاوية وهي قصر اشتروه بـ:1200ليرة ذهبا و الليرة الواحدة تساوي:120فرنكا.

وهنا شعرت بسؤال يصدر من أكثر القراء وهو من أين جاءهم هذا المال يا ترى أمن أهل الحجاز مع ضعفهم وقلة ما بأيديهم زيادة على أن من كان مغفلا منخدعا من أهل الحجاز إنما ينخدع في أمر فيه أخذ مال أما الدفع فهم أعقل من أن يدفعوا مالهم الذي جعل الله لهم قياما وقياما في سبيل الترهات فمن أين جاء التجانيون الذين تسعة أعشارهم سودان فقراء فقرا مدقعا أعني تجاني المدينة. فلأجل حل هذا الإشكال و غزالة الحيرة-و الحديث شجون-أقول إن ذلك المال و امثاله من الأموال التي تنفق هنا لتدعيم أساس الطريقة إنما هو صادر من بلاد الجزائر وحدها جمعه و جمع من قبل أضعافه رجل جزائري معروف ياتي هذه البلاد المقدسة كل سنة حاملا معه أموالا كثيرة ينفقها هنا وينتفع بها كثير من الناس و الرجل في حد ذاته متصف بالوفاء والكرم ولو مما يجمعه من فقراء الجزائر لكنه اشرب في قلبه خرافات طرقية ملكت عليه مشاعره وساعده على ذلك إلمامه بالعلم زيادة على النشأة في وسط ملآن بالأباطيل نسأل الله أن يهدينا و إياه سواء السراط فلو اجتهد في نصر سنة النبي صلى الله عليه و سلم عشر ما يجتهد في الطريقة لفاز فوزا عظيما. وبعد استقرارنا في المدينة علمنا أن الوظيفة التجانية وحدها تقرأ في زاويتهم المشتراة بـ:1200جنيه فقط ولو أنفق هذا المال على فقراء الجزائر أو فقراء المدينة لسد منهم خلات كثيرة و التوفيق بيد الله فسألني الشيخ عبد الله عن الطريقة التجانية ما هي فأخبرته بما حضرني منها فاقشعر جلده واستعاذ بالله من تلك العقائد وفي ذات يوم دعاني ثم استدعى شيخ الطريقة التجانية بالمدينة وهو الفاهاشم السنغالي ابن أخ الحاج عمر الفوتي أحد أركان الطريقة ومن العجب أننا وجدنا الفاهاشم هداه الله من المدرسين الذين يأخذون راتبا شهريا من الحكومة زيادة على ما ياتيه من المغرب من النذور و الهدايا الطرقية و إنما تعطيه الحكومة ذلك الراتب ليدعو إلى السنة و التوحيد و ينفر من البدعة و الشرك لكنه أراد أن يجمع بين الفضيلتين بل بين العطاءين.

حضر الفاهاشم فرحب به الشيخ الرئيس وسأله عن الحال ثم بعد ما جلس و أدنى الشيخ مجلسه و أكرمه قال له يا شيخ نحن نظن بك الخير و نأمل أن تكون داعيا إلى الحق قامعا للباطل وأن يهدي الله بك من شاء من عباده لكن بلغنا أنك مستمسك بطريقة بل يقال إنك شيخ متبوع فيها فهل ذلك صحيح؟ فقال الفاهاشم: نعم أنا متمسك بطريقة التجانية جاء بها عمنا من المشرق حين حج و أخذناها عنه و هي ليس فيها شيء يخالف السنة إنما هي أذكار مشروعة الاستغفار و الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم وكلمة الإخلاص لا إله إلا الله. فنظر إلي الشيخ إماء إلى أن أتكلم فقلت يا الفاهاشم إني كنت تجانيا وقرأت كتب الطريقة و عرفتها مثل ما تعرفها أنت وهي ليست ذكرا مجردا بل هي أقوال و أفعال و عقائد ولو سلمنا أنها أذكار مجردة فأذكارها فيها بدع كثيرة من تحديد ما لم يحد الله ولا رسوله بالعدد و الوقت الاختياري و الضروري والقضاء لما فات والإجتماع على هيئة غير مشروعة و ألفاظ من كلام أهل الوحدة مثل اللهم صل و سلم على عين الحق-وعين ذاتك العلية-ووصف النبي بالأسقم أي الأمرض وغير ذلك فقال له الشيخ الرئيس أن فلانا يعنيني يعرف ما بهذه الطريقة مما يخالف الشريعة وهو عارضه عليك لتبدي رأيك فيه ثم قال اعرض عليه بعض الأمور المخالفة للشريعة من طريقته، فأخذت صحيفة كنت قد قيدت فيها بعض أباطيل تلك الطريقة من حفظي و أخذت أقرأ عليه ما نصه:

الأولى/ اعتقادهم باخبار شيخهم أن روحه كانت مع روح النبي صلى الله عليه و سلم هكذا وقرن بين إصبعيه السبابة و الإبهام.

الشيخ الرئيس لالفاهاشم هذا صحيح؟ فقال: نعم موجود في كتب الطريق و أنا لا اعتقده، فقال له الشيخ هذا حق أم باطل؟ فقال لا أعتقده (حاد عن الجواب ولات حين مناص) فقال الشيخ قل حق أو باطل فقال باطل ثم قال لي اقرأ فقرأت:

الثانية/اعتقادهم ما أخبرهم به شيخهم بقوله أنا محمد الولياء من لدن آدم إلى النفخ في الصور.

فقال الشيخ لالفاهاشم: هذا موجود عندكم؟ فقال: نعم و أنا لا أعتقده. فقال: حق أم باطل؟ فحاد كما فعل أولاً ثم أعاد عليه السؤال فقال باطل.

يتبع ..

محمد تقي الهلالي المدرس بالمسجد النبوي

مجلة "الشهاب" العدد:151/السنة الرابعة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير