تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[نقد شروط المعجزة عند الأشاعرة]

ـ[أبو عبد الله يربح]ــــــــ[26 - 11 - 09, 06:41 م]ـ

[نقد شروط المعجزة عند الأشاعرة]

بقلم أبي عبد الله محمد حاج عيسى الجزائري

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين والعاقبة للمتقين، أما بعد: فهذا تعليق موجز على مقال عنوانه «الإسراء والمعراج» نشر في إحدى المجلات السنية (1)، وموضوع التعليق حول ما ذكر فيه من معنى المعجزة وشروطها، فإن المسألة كما قال كاتب المقال: «قد زلَّت فيها أقدام أقوام وضلت فيها أفهام» لكنه لم يوفق لإصابة الحق في كثير مما ذكر في هذا الباب، فقد ذكر أن للأمر الخارق شروطا ينبغي أن تقترن به حتى يكون معجزة صحيحة تدل على صدق مدعي النبوة، فأتى بأشياء غير صحيحة.

وأول شيء أبتدئ به هو توضيح معنى المعجزة؛ فأقول هي عند أهل السنة الدلائل والأعلام التي تدل على صدق النبي وأنه مرسل من عند الله تعالى، وصفتها التي تمتاز بها هي عجز الإنس والجن عنها لأنهما المخاطبان بالرسالة (2)، وتسميتها آية وبرهانا أولى من تسميتها معجزة أو أمرا خارقا، لأن التعبير عن حقائق الإيمان بعبارات القرآن أولى من غيرها، ولأن التعبير بالاصطلاحات الحادثة قد أوجب غلطا كثيرا وإيهاما حيث يدخل فيها الحق والباطل (3)، وأما أهل الكلام فقد سموها معجزة وحدَّها أهل الاعتزال منهم بأنها الأمر الخارق للعادة ثم التزموا بعد ذلك إنكار الكرامات وتأثير السحر وقدرة الكهان، وهذا مذهب واضح البطلان. وأما الأشاعرة فقد انطلقوا من نفس المصطلح «المعجزة» المفسر بخرق العادة لكن زادوا على هذا التفسير قيودا بقصد تمييز المعجزة عن الكرامة والسحر فاختلفوا في ذلك اختلافا بينا، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أقوال متقدميهم فقال: «هي الفعل الخارق للعادة المقترن بدعوى النبوة والاستدلال به وتحدي النبي من دعاهم أن يأتي بمثله وشرط بعضهم أن يكون مما ينفرد الرب بالقدرة عليه، هذه الأربعة هي التي شرط القاضي أبو بكر ومن سلك مسلكه» (4)، وذكر القرطبي في تفسيره خمسة شروط (5)، هي التي ذكر صاحب المقال بعينها، إضافة إلى شرط سادس لم أنتقده (6)، وقد ذكره القرطبي في شرحه للشرط الأول، وذكر أبو منصور البغدادي في كتابه أصول الدين ستة شروط سادسها أن يحدُث المدَّعَى في زمن التكليف (7). وكاتب المقال المشار إليه –سدده الله - قد قرَّر شروطا موافقة لمذهب الأشعرية، يلزم من اشتراطها تعطيل أكثر معجزات الأنبياء (وفي مقدمتها الإسراء والمعراج).

النقد المفصل لشروط المعجزة

الشرط الأول: أن يكون الفعل الدال على صدق دعوة (الصواب دعوى) النبوة مما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه

أما هذا الشرط فيمكن حمله على معنى صحيح، وهو أن المعجزة أو الآية التي يأتي بها النبي تكون خارجة عن جنس ما يقدر عليه الجن والإنس المقصودين بالرسالة، لكن في تعبيره خلل من جهتين:

1 - منها قوله: «بأنه لا يقدر عليه إلا الله»، فإن الملائكة تقدر على معجزات الأنبياء وهذا أمر واضح ومعلوم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إن آيات الأنبياء خارجة عن مقدور من أرسل الأنبياء إليه وهم الجن والإنس فلا تقدر الإنس والجن أن يأتوا بمثل معجزة الأنبياء كما قال تعالى:} قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا {[الإسراء 88]، وأما الملائكة فلا تضر قدرتهم على مثل ذلك فإن الملائكة إنما تنزل على الأنبياء ولا تنزل على السحرة والكهان كما أن الشياطين لا تتنزل على الأنبياء» (8). وأنبِّه هنا على أنَّ هذا الشرط بهذا اللفظ قد اشترطه بعض الأشاعرة، لكن لم يكن هذا الشرط مفيدا لشيء لأنهم يعتقدون أن لا قدرة لأحد إلا لله وحده، فاستوت عندهم المعجزة وغير المعجزة كالسحر وغيره، وقد صرحوا بأن السحر وما شابهه مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، لأجل هذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فإذا قالوا هذا ظن الظان أنهم اشترطوا أمرا عظيما ولم يشترطوا شيئا» (9).

2 - وكذا تخصيصه لها بالفعل والقدرة؛ فإن المعجزة كما تكون فعلا غير مقدور للمرسَل إليهم، تكون أيضا خبرا غير معلوم بالنسبة إليهم كالأخبار الماضية والمستقبلة، قال شيخ الإسلام: «والآيات الخارقة جنسان جنس في نوع العلم وجنس في نوع القدرة» (10).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير