وهذا لو ذكر على أنه وصف من أوصافها فلا شيء في ذلك، لكن عدُّه هنا من الشروط لا يصح لأنه إذا حققنا أن المعجزة مما لا يقدر عليه الإنس والجن فلا شك أنها تسلم عن المعارضة، وأكثر من يذكر هذا الشرط تابع للأشعرية الذين تجاهلوا الشرط الأول الذي دل عليه القرآن، وجعلوا أول وصف لها أنها أمر خارق للعادة ثم زادوا في الحد قيودا تميز المعجزة عن غيرها من الخوارق، فقالوا هي أمر خارق مقترن بدعوى النبوة احترازا عن الكرامة مع السلامة عن المعارضة احترازا عن السحر والكهانة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فهي عندهم لم تدل لكونها في نفسها وجنسها دليلا، بل إذا استدل بها المدعي للنبوة كانت دليلا وإلا لم تكن دليلا، ومن شرط الدليل سلامته عن المعارضة وهي عندهم غاية الفرق، فإذا قال المدعي للنبوة ائتوا بمثل هذه الآية فعجزوا كان هذا هو المعجز المختص بالنبي وإلا فيجوز عندهم أن تكون معجزات الرسول من جنس ما للسحرة والكهان من الخوارق» (21). وما تعللوا به قد نقضه عليهم شيخ الإسلام من وجوه أَبْيَنُها أن هذا الوصف غير مانع فقد ادعى أناس كثيرون النبوة، وأتوا بخوارق تحدوا بها الناس ولم يأت أحد بمثل ما أتوا ولم يكن ذلك دليلا على صدقهم (22).
خاتمة النقد
أما قوله عن هذه الشروط: «وهي في حقيقة أمرها مما يفرق به بين المعجزة والكرامة لأنها متعلقة بدعوة (الصواب دعوى) النبوة» فيظهر لي أنه سبق قلم فإن غالب المقصود بهذه الشروط –سوى دعوى النبوة-التفريق بين معجزة النبي حقا وسحر وكهانة مدعيها كذبا، ومع ذلك فقد علم ما فيها، أما الفروق المعتبرة فكثيرة وليس هذا موضع تعديدها (23)، وكذا قوله: «وذكر أهل العلم للمعجزة شروطا وأوصافا …الخ» قد كان بودِّنا أن لو ذكر لنا المصدر الذي نقل منه هذه الشروط، فإنه قد لا يكفي في مثل هذه الأمور نسبتها إلى أهل العلم هكذا مبهمين، فضلا عن كون هذه العبارة توهم السامع اتفاق العلماء على الأمر المذكور والواقع خلاف ذلك.
ولا شك عندي أن المنقول عنه عالم أشعري -كالقرطبي رحمه الله -، أو آخر ناقل عنه، ولم يعلم مخالفته لأهل الحق، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ولا ريب أن المؤمن يعلم من حيث الجملة أن ما خالف الكتاب والسنة فهو باطل، لكن كثيرا من الناس لا يعلم ذلك في المسائل المفصلة ولا يعرف ما الذي يوافق الكتاب والسنة وما الذي يخالفه» (24). وقال أيضا وهو يتحدث عن المتكلمين الذين رجعوا في آخر أعمارهم: «لكن بقاء كلامهم وكتبهم محنة عظيمة في الأمة وفتنة عظيمة لمن نظر فيها، ولا حول ولا قوة إلا بالله» (25). نسأل الله تعالى أن يجنبنا جميعا الزلل وأن يسد الخلل، وأن يوفقنا لمزيد من فضله هو ولي ذلك والقادر عليه،} والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر {.
1/ منابر الهدى العدد الخامس صفحة 32.
2/ انظر النبوات (2/ 778،864،984).
3/ انظر النبوات (2/ 828،867).
4/ النبوات (1/ 600).
5/ تفسير القرطبي (1/ 69 - 71).
6/ قال صاحب المقال:» الشرط السادس أن يأتي ذلك المدعي في زمن يصح فيه مجيء الرسل «وهو شرط نظري وفيه إشارة إلى انقطاع النبوة ببعثة النبي صلى اله عليه وسلم.
7/ أصول الدين (171) ومعنى هذا الشرط والله أعلم الاحتراز عما يحدث بعد طلوع الشمس من مغربها، فإنه زمن ارتفاع التكليف والله أعلم.
8/ النبوات (1/ 502).
9/ النبوات (1/ 597).
10/ النبوات (1/ 150) وانظر (2/ 865).
11/ انظر النبوات (1/ 170،489).
12/ النبوات (1/ 163).
13/ انظر النبوات (2/ 869 - 870).
14/ النبوات (1/ 498).
15/ انظر النبوات (1/ 502).
16/ النبوات (1/ 451).
17/ النبوات (1/ 605).
18/ النبوات (2/ 794).
19/ النبوات (1/ 451).
20/ النبوات (1/ 602) انظر كتاب الإنصاف في كرامات الأولياء للصنعاني (85) مع تعليق الدكتور عبد الرزاق العباد.
21/ النبوات (1/ 486).
22/ انظر النبوات (1/ 498) (2/ 852).
23/ وتُنظر في النبوات (1/ 558 - 559) و (2/ 1074 - 1091).
24/ النبوات (1/ 561).
25/ الاستقامة (1/ 79 - 80).