تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

2 ـ إن ما دلت عليه أحاديث المهدي من قيامه بنصرة الدين، وامتلاء الارض في زمانه من العدل، لا ينافيه وجود الدجال وأتباعه في زمانه، ومعاداتهم للمسلمين، وكذا الادلة الدالة على بقاء الاشرار مع الاخيار، حتى تخرج الريح اللينة التي تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة، ولا يبقى بعد ذلك إلاّ شرار الخلق الذين تقوم عليهم الساعة ; لان المراد مما جاء في أحاديث المهدي كثرة الخير، وقوة أهل الاسلام، وحصول الغلبة لهم، وقهرهم لغيرهم، وهذا لا ينفي وجود أشرار مغمورين في زمانه، كما أننا نعتقد أن الرسول (صلى الله عليه وآله) وخلفاءه قد ملؤوا الارض عدلاً، وكان مع ذلك في الارض في زمانهم من أعدائهم الكثير (قل فللّه الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين).

3 ـ إنّ ما دلت عليه أحاديث المهدي من امتلاء الارض ظلماً وجوراً قبل خروجه لا يدل على خلو الارض من أهل الخير قبل زمانه، فالرسول (صلى الله عليه وآله) أخبر في أحاديث صحيحة بأنه لا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين حتى يأتي أمر اللّه، ومنها الحديث الذي رواه مسلم عن جابر أنه سمع النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة. قال: فينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم: تعال صلّ لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة اللّه هذه الامة» وهذه الاحاديث وأحاديث المهدي تدل على أن الحق مستمر لا ينقطع، لكنه في بعض الازمان تكون لاهله الغلبة ويحصل له الانتشار، كما في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله)، وكما في زمن المهدي وعيسى ابن مريم، وفي بعض الازمان يضعف أهل الحق ويتضاءل انتشاره. أما أن الحق يتلاشى ويضمحل، فهذا ما لم يكن فيما مضى منذ زمن الرسول (صلى الله عليه وآله)، ولا يكون في المستقبل حتى خروج الريح التي تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة، كما أخبر بذلك الذي لا ينطق عن الهوى صلوات اللّه وسلامه عليه، فما من زمن في الماضي إلاّ وقد هيّأ اللّه لهذا الدين من يقوم به، وفي هذا الزمن الذي تكالب أعداء الاسلام عليه، وغزي بابنائه المنتسبين إليه أعظم من غزوه بأعدائه، لم تخل الارض من إقامة شعائر الدين الاسلامي.

العاشر: كلمة ختامية:

إن أحاديث المهدي الكثيرة، التي ألّف فيها مؤلفون، وحكى تواترها جماعة، واعتقد موجبها أهل السنة والجماعة وغيرهم، تدل على حقيقة ثابتة بلا شك، وأن أحاديث المهدي على كثرتها وتعدد طرقها، وإثباتها في دواوين أهل السنة، يصعب كثيراً القول بأنه لا حقيقة لمقتضاها، إلاّ على جاهل أو مكابر، أو من لم يمعن النظر في طرقها وأسانيدها، ولم يقف على كلام أهل العلم المعتد بهم فيها. والتصديق بها داخل في الايمان بأن محمداً هو رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ; لان من الايمان به (صلى الله عليه وآله) تصديقه فيما أخبر به، وداخل في الايمان بالغيب الذي امتدح اللّه المؤمنين به بقوله: (ألم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب) وداخل في الايمان بالقدر ; فإن سبيل علم الخلق بما قدره اللّه أمران:

أحدهما: وقوع الشيء، فكل ما كان ووقع علمنا أن اللّه قد شاءه، لانه لا يكون ولا يقع إلاّ ما شاءه اللّه، وما شاء اللّه كان و ما لم يشأ لم يكن.

الثاني: الاخبار بالشيء الماضي الذي وقع، وبالشيء المستقبل قبل وقوعه من الذي لا ينطق عن الهوى (صلى الله عليه وآله)، فكل ما ثبت إخباره به من الاخبار في الماضي، علمنا بأنه كان على وفق خبره (صلى الله عليه وآله)، وكل ما ثبت إخباره عنه مما يقع في المستقبل، نعلم بأن اللّه قد شاءه، وأنه لابد أن يقع على وفق خبره (صلى الله عليه وآله) كإخباره (صلى الله عليه وآله) بنزول عيسى (عليه السلام) في آخر الزمان، وإخباره بخروج المهدي، وبخروج الدجال، وغير ذلك من الاخبار، فإنكار أحاديث المهدي أو التردد في شأنه أمر خطير. نسأل اللّه السلامة والعافية والثبات على الحق حتى الممات.

([1]) هكذا، والصحيح أن يقول: على أن الحديث، الخ.

«التحرير».

([2]) هكذا، والصحيح أن تكون العبارة: ... لو صحّا لم يكن فيهما دليل على أن المهدي، الخ.

«التحرير»

([3]) هكذا، والصحيح: عمن.


¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير