تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالجواب: أن هذا الذي كتمه ليس من أمر الشريعة؛ فإنه لا يجوز كتمانها وقد كان أبو هريرة يقول: " لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم " وهي قوله: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى) " فكيف يظن به أن يكتم شيئا من الشريعة بعد هذه الآية وبعد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ عنه؟ وقد كان يقول لهم: (ليبلغ الشاهد منكم الغائب) وإنما هذا المكتوم مثل أن يقول: فلان منافق، وستقتلون عثمان، و (هلاك أمتي على يدي أغيلمة من قريش) بنو فلان، فلو صرح بأسمائهم لكذبوه وقتلوه " انتهى.

"كشف المشكل من حديث الصحيحين" (ص/1014).

والخلاصة:

أن ما كتمه أبو هريرة رضي الله عنه من العلم مختص بأخبار الفتن وأمراء السوء وأحوالهم وزمانهم، وأسماء المنافقين، وما يحصل آخر الزمان من تغير الأحوال ووقوع الفتن ونحو ذلك مما لا يألفه الناس.

وإنما كتمه أبو هريرة رضي الله عنه ولم ينشره للمصلحة الراجحة؛ فإنه لو ذكر أمراء السوء، أو عين أحدا منهم، أو كنّى عنه بما يدل عليه لوقع الناس في الفتن ولكثر القيل والقال، ولتعرض أبو هريرة للأذى، ولتحمس بعض هؤلاء الأحداث ممن لا علم لهم ولا روية عندهم وأثار القلاقل وأحدث الفتن، بدعوى أن هؤلاء أمراء السوء الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بد من تطهير الأرض منهم وإراحة الناس من شرهم وأذاهم، فيخرجون على الخلفاء والأمراء، ويحدثون الفتن.

وكذا لو أخبر أبو هريرة رضي الله عنه بما يحصل من الملاحم والفتن آخر الزمان لسارع كثير ممن لا علم له من السفهاء والدهماء إلى تكذيبه، ولكثر الجدل ولاحتدّ النقاش فيما يرويه ويقوله، فينصرف الناس – كما هي عادتهم في مثل ذلك – عن الانشغال بما يهمهم من أمر دينهم ودنياهم إلى أندية الجدل ومحاطّ الخصام.

وقد كانوا لا يقبلون بعض ما يروي من أحاديث الأحكام، ويستكثرون عليه ما يروي في الحلال والحرام، فكيف لو روى لهم شيئا من أحاديث الفتن؟!

فكان كتمانه هذا النوع من العلم من حكمته وتمام فقهه وعلمه رضي الله عنه.

أما أحاديث الأحكام ونحوها: فلم يكن بدّ من روايتها، روى البخاري (2350) ومسلم (2492) عنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: يَقُولُونَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ، وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ، وَيَقُولُونَ: مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَا يُحَدِّثُونَ مِثْلَ أَحَادِيثِهِ، وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ، وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ، وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَحْضُرُ حِينَ يَغِيبُونَ، وَأَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ ... إلى أن قال: وَاللَّهِ لَوْلَا آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا أَبَدًا: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).

وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (126377 ( http://islamqa.com/ar/ref/126377))

والله أعلم

الإسلام سؤال وجواب ( http://www.islamqa.com/ar/ref/139569)

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير