تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

- يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- في مجموع الفتاوى (3/ 245):" هذا وأنا في سعة صدر لمن يخالفني فإنه وإنْ تعدّى حدود الله في بتكفير أو تفسيق أو افتراء أو عصبية جاهلية فأنْا لا أتعدى حدود الله فيه؛ بل أضبط ما أقوله وأفعله وأزنه بميزان العدل وأجعله مؤتماً بالكتاب الذي أنزله الله وجعله هدى للناس حاكماً فيما اختلفوا فيه".

- ويقول أيضاً (28/ 209): "وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر، وفجور وطاعة ومعصية، وُسنّة وبدعة، استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعادات والعقاب بحسب ما فيه من الشر؛ فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة فيجتمع له من هذا وهذا".

* * *

ومن الأمثلة على إنصاف ابن تيمية رحمه الله لأهل البدع والأهواء:

أ- ذكره بعض محامد أهل البدع والأهواء، وبيانه أن أهل السنة يتبعون معهم العدل والإنصاف، يقول رحمه الله:

"والرافضة فيهم من هو متعبد متورع زاهد، لكن ليسوا في ذلك مثل غيرهم من أهل الأ÷واء، فالمعتزلة أعقل منهم وأ‘لم وأدين، والكذب والفجور فيهم أقل منه في الرافضة والزيدية من الشيعة خير منهم، وأقرب إلى الصدق والعدل والعلم، وليس في أهل الأهواء أصدق ولا أعبد من الخوارج، ومع هذا فأهل السنة يستعملون معهم العدل والإنصاف ولا يظلمونهم، فإن الظلم حرام مطلقاً، بل أهل السنة لكل طائفة من هؤلاء خير من بعضهم لبعض، بل هم للرافضة خير وأعدل من بعض الرافضة لبعض، وهذا مما يعترفون هم به، ويقولون: أنتم تنصفوننا ما لاينصف بعضنا بعضاً، وهذا لأن الأصل الذي اشتركوا فيه أصل فاسدمبني على جهل وظلم، وهم مشتركون في ظلم سائر المسلمين،فصاروا بمنزلة قطاع الطريق المشتركين في ظلم الناس، ولا ريب أن المسلم العالم العادل أعدل عليهم وعلى بعضهم من بعض ..

والخوارج تكفر أهل الجماعة، وكذلك أكثر المعتزلة يكفرون من خالفهم، وكذلك أكثر الرافضة، ومن لم يكفر فسق، وكذلك أكثر أهل الأهواء، يبتدعون رأياً ويكفرون من خالفهم فيه،و أهل السنة يتبعون الحق من ربهم الذي جاء به الرسول، ولا يكفرون من خالفهم فيه، بل هم أعلم بالحق وأرحم بالخلق، كما وصف الله به المسلمين بقوله: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) [آل عمران/110]، قال أ [, هريرة رضي الله عنه: كنتم خير الناس للناس.

وأهل السنة نقاوة المسلمين، فهم خير الناس للناس " [منهاج السنة/339]

.

ويقول رحمه الله في موضع آخر:

" وقد ذهب كثير من مبتدعة المسلمين؛ من الرافضة والجهمية وغيرهم، إلى بلاد الكفار فأسلم على يديه خلق كثير، وانتفعوا بذلك وصاروا مسلمين مبتدعين، وهو خير من أن يكونوا كفاراً " [مجموع الفتاوى 13/ 96، وينظر 35/ 201]

ب - تفصيله الحكم على الصوفية والتصوف، بما يظهر الإنصاف: فقد بين رحمه الله تعالى، أنه وقع الاجتهاد والتنازع في طريق الصوفية: "فطائفة ذمت الصوفية والتصوف،و قالوا: إنهم مبتدعون خارجون عن السنة، ونُقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف، وتنبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام، وطائفة غلت فيهم، وادعوا أنهم أفضل الخلق وأكملهم بعد الأنبياء، وكلا طرفي هذه الأمور ذميم، والصواب أنهم مجتهدون في طاعة الله، كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين، وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطىء، وفيهم من يذنب فيتوبأو لا يتوب، ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه، عاص لربه، وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة، ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم، كالحلاج مثلاً، فإن أكثر مشايخ الطريق أنكروه وأخرجوه من الطريق، مثل الجنيد بن محمد، سيد الطائفة وغيره، كما ذكر ذلك الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي، في طبقات الصوفية، وذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد " [مجموع الفتاوى 11/ 17 - 18].

.

ج - دفاع ابن تيمية عن اعتقاد بعض مشايخ الصوفية، فقد ناقش أبا القاسم القشيري، في دعواه أن اعتقاد أكابر مشايخ الصوفية مثل: الفضيل بن عياض، وأبي سليمان الداراني، ويوسف بن أسباط، ووحذيفة المرعشي، ومعروف الكرخي، والجنيد بن محمد، وسهل بن عبدالله التستري،موافق لا عتقاد كثير من المتكلمين الأشعرية بما يطول نقله، لذل أقتصر منه على مقدمته: " فصل فيما ذكر الشيخ أبو القاسم القشيري في رسالته المشهورة، من اعتقاد مشايخ الصوفية، فإنه ذكر من متفرقات كلامهم، ما يستدل به على أنهم كانوا يوافقون اعتقاد كثير من المتكلمين الأشعرية، وذلك هو اعتقاد أبي القاسم الذي تلقاه عن أبي بكر بن فورك، وأبي إسحاق الإسفراييني. وهذا الاعتقاد غالبه موافق لأصول السلف أهل السنة والجماعة، لكنه مقصر عن ذلك ومتضمن ترك بعض ما كانوا عليه، وزيادة تخالف ما كانوا عليه، والثابت الصحيح عن أكابر المشايخ، يوافق ما كان عليه السلف، وهذا هو الذي كان يجب أن يذكر، فإن في الصحيح الصريح المحفوظ عن أكابر المشايخ مثل: الفضيل بن عياض، وأبي سليمان الداراني، ويوسف بن أسباط، وحذيفة المرعشي، ومعروف الكرخي، وأبي الجنيد بن محمد، وسهلبن عبد الله التستري، وأمثال هؤلاء، ما يبين حقيقة مقالات المشايخ " [الاستقامة 1/ 81]

وفي موضع آخر قال مفصلاً حال أهل الصوف بما يدل على الإنصاف والعدل:

" والشيوخ الأكابر الذين ذكرهم أبو عبدالرحمن السلمي في طبقات الصوفية، وأبو القاسم القشيري في الرسالة، كانوا على مذهب أهل السنة والجماعة، ومذهب أهل الحديث، كالفضيل بن عياض، والجنيد بن محمد، وسهل بن عبدالله التستري، وعمرو بن عثمان، وكلامهم موجود في السنة، وصنفوا فيها الكتب، لكن بعض المتأخرين منهم كان على طريقة بعض أهل الكلام في بعض فروع العقائد، ولم يكن فيهم أحد على مذهب الفلاسفة، وإنما ظهر التفلسف في المصوفة المتأخرين، فصارت المصوفة تارة على طريقة صوفية أهل الكلام فهؤلاء دونهم، وتارة على اعتقاد صوفية الفلاسفة كهؤلاء الملاحدة " [الصفدية 1/ 267]

منقول

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير