[الادلة العقلية في القران مثال الادلة العق]
ـ[منهاج السنة]ــــــــ[03 - 06 - 07, 03:53 ص]ـ
قال شيخ الاسلام في كتابه درء تعارض العقل والنقل ص 27/ 36 المجلد الاول
وذلك أن أصول الدين إما أن تكون مسائل يجب اعتقادها ويجب أن تذكر قولا أو تعمل عملا كمسائل التوحيد والصفات والقدر والنبوة والمعاد
أو دلائل هذه المسائل
أما القسم الأول فكل ما يحتاج الناس إلى معرفته وإعتقاده والتصديق به من هذه المسائل فقد بينه الله ورسوله بيانا شافيا قاطعا للعذر
وأما القسم الثاني وهو دلائل هذه المسائل الأصولية الأمر ما عليه سلف الأمة أهل العلم والإيمان من أن الله سبحانه وتعالى بين من الأدلة العقلية التي يحتاج إليها في بذلك العلم مالا يقدر أحد من هؤلاء قدره ونهاية ما يذكرونه جاء القرآن بخلاصته على أحسن وجه
وذلك كالأمثال المضروبة التي يذكرها الله في كتابه التي قال فيها
) ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل (سورة الزمر 27
فإن الأمثال المضروبة هي الأقيسة العقلية
ومثال ذلك أنه سبحانه لما أخبر بالمعاد والعلم به تابع للعلم بإمكانه
فإن الممتنع لا يجوز أن يكون
بين سبحانه إمكانه أتم بيان
ولم يسلك في ذلك ما يسلكه طوائف من أهل الكلام حيث يثبتون الإمكان الخارجي بمجرد الإمكان الذهني والإمكان الذهنى حقيقته عدم العلم بالامتناع وعدم العلم بالامتناع لا يستلزم العلم بالإمكان الخارجى بل يبقى الشىء في الذهن غير معلوم الامتناع ولا معلوم الإمكان الخارجى وهذا هو الإمكان الذهني
فإن الله سبحانه وتعالى لم يكتف في بيان إمكان المعاد بهذا إذ يمكن أن يكون الشيء ممتنعا ولو لغيره وإن لم يعلم الذهن إمتناعه بخلاف الإمكان الخارجي فإنه إذا علم بطل أن يكون ممتنعا
والإنسان يعلم الإمكان الخارجي تارة بعلمه بوجود الشيء وتارة
بعلمه بوجود نظيره
وتارة بعلمه بوجود ما الشيء أولى بالوجود منه
فإن وجود الشيء دليل على أن ما هو دونه أولى بالإمكان منه ثم إنه إذا تبين كون الشيء ممكنا فلا بد من بيان قدرة الرب عليه وإلا فمجرد العلم بإمكانه لا يكفى في إمكان وقوعه إن لم يعلم قدرة الرب على ذلك فبين سبحانه هذا كله بمثل قوله) أو لم يروا ان الله الذي خلق السموات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا (سورة الإسراء 99
وقوله) أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم (سورة يس 81
قوله) أو لم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعى بخلقهن بقادر على أن يحي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير (سورة الأحقاف 33
وقوله) لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس (سورة غافر 57
فإنه من المعلوم ببداهة العقول أن خلق السموات والأرض أعظم من خلق أمثال بني آدم والقدرة عليه أبلغ وأن هذا الأيسر أولى بالإمكان والقدرة من ذلك
وكذلك استدلاله على ذلك بالنشأة الأولى في مثل قوله) وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه (سورة الروم 27
ولهذا قال بعد ذلك) وله المثل الأعلى في السموات والأرض (سورة الروم 27 وقال) يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم (سورة الحج 5
وكذلك ما ذكر في قوله) وضرب لنا مثلا ونسى خلقه قال من يحي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة (الآيات يس 78 82
فإن قول الله تعالى) من يحي العظام وهي رميم (
قياس حذفت إحدى مقدمتيه لظهورها والأخرى سالبة كلية قرن معها دليلها وهو المثل المضروب الذى ذكره بقوله) وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم (
وهذا استفهام إنكار متضمن للنفى أى لا أحد يحي العظام وهى رميم
فإن كونها رميما يمنع عنده إحياءها لمصيرها إلى الحال اليبس والبرودة المنافية للحياة التي مبناها على الحرارة والرطوبة ولتفرق أجزائها واختلاطها بغيرها ولنحو ذلك من الشبهات
والتقدير هذه العظام رميم ولا أحد يحي العظام وهى رميم فلا أحد يحييها ولكن هذه السالبة كاذبة ومضمونها امتناع الإحياء
فبين سبحانه إمكانه من وجوه ببيان إمكان ما هو أبعد من ذلك وقدرته عليه فقال (يحييها الذي أنشأها أول مرة)
وقد أنشأها من التراب ثم قال (وهو بكل خلق عليم) سورة يس 79
ليبين علمه بما تفرق من الأجزاء أو استحال ثم قال (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا) سورة يس 80
فبين أنه أخرج النار الحارة من البارد الرطب وذلك أبلغ فى المنافاة لأن اجتماع الحرارة والرطوبة أيسر من اجتماع الحرارة واليبوسة إذ الرطوبة تقبل من الانفعال ما لا تقبله اليبوسة ولهذا كان تسخين الهواء والماء أيسر من تسخين التراب وإن كانت النار نفسها حارة يابسة فإنها جسم بسيط واليبس ضد الرطوبة والرطوبة يعنى بها البلة كرطوبة الماء ويعنى بها سرعة الإنفعال فيدخل في ذلك الهواء فكذلك يعنى باليبس عدم البلة فتكون النار يابسلة ويراد باليبس بطء الشكل والانفعال فيكون التراب يابسا دون النار فالتراب فيه اليبس بالمعنيين بخلاف النار لكن الحيوان الذي فيه حرارة ورطوبة يكون من العناصر الثلاثة التراب والماء والهواء
وأما الجزء النارى فللناس فيه قولان قيل فيه حرارة نارية وإن لم يكن فيه جزء من النار وقيل بل فيه جزء من النار
وعلى كل تقدير فتكون الحيوان من العناصر أولى بالإمكان من تكون النار من الشجر الأخضر فالقادر على أن يخلق من الشجر الأخضر نارا أولى بالقدرة أن يخلق من التراب حيوانا فإن هذا معتاد وإن كان ذلك بما يضم إليه من الأجزاء الهوائية والمائية والمقصود الجمع فى المولدات
ثم قال (أوليس الذى خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم) سورة يس 81
وهذه مقدمة معلومة بالبداهة ولهذا جاء فيها بإستفهام التقرير الدال على أن ذلك
مستقر معلوم عند المخاطب كما قال سبحانه (ولا ياتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا) سورة الفرقان 33 ثم بين قدرته العامة بقوله (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) سور يس 82
وفى هذا الموضع وغيره من القرآن من الأسرار وبيان الأدلة القطعية على المطالب الدينية ما ليس هذا موضعه وإنما الغرض التنبيه