"وأما صوفية الأرزاق فهم الذين وقفت عليهم الوقوف كالخوانك، فلا يشترط في هؤلاء أن يكونوا من أهل الحقائق فإن هذا عزيز، وأكبر أهل الحقائق لا يتصدون بلوازم الخوانك ولكن يشترط فيهم ثلاثة شروط" ثم ذكرها , وهي: وجود العدالة الشرعية فيهم , والتأدب بآداب الشرع , وألا يكون متمسكاً بفضول الدنيا.
ثم قال عن القسم الثالث منهم:
"وأما صوفية الرسم فهمهم المقتصرون على النسبة، فهمُّم في اللباس والآداب الوصفية ونحو ذلك، أي أنهم يتشبهون بالصوفية في الظاهر ويعرفون أقوالهم، ولكنهم خارجون عن طريقهم همهم جمع الأموال والاحتيال على الجهال بأمرهم.
وهذا التقسيم واضح جلي، إلا أنه ليس فيه توضيح وبيان لمدى ما وصلت إليه العقيدة الصوفية فيما بعد، ومدى تأثرها بالينابيع والمصادر الخارجة عن الإسلام.
وكل الطرق الصوفية ناتجة عن الهوى ونابعة منه ومبنية على الرغبة في الزعامة والعلو في الأرض واستعباد الناس، وصار زعماء الصوفية في مجموعهم يحرصون حرصاً شديداً على هذه الزعامة الروحية، ووصل بهم الحرص عليها أن جعلوها وراثية وكأنها جزء من المال الذي يخلفه الميت على حد ما أورده محمود أبو الفيض المنوفي الحسيني، فإنه قال بعد سرده الطويل لطرق الصوفية وأسماء مشائخها قال بعدها:
"وكل هذه الطرق تنسب كل واحدة لولي من الأولياء رضي الله عنهم، وقد يرثها حفيد أو سبط لولي من أولئك الأولياء فيكرمه الله سبحانه وتعالى بكرامة آبائه وأجداده الصالحين، فإن سار على دربهم أكرمه الله مثل ما أكرمهم، وإن فرط أو قصر أكرمه الله لأجلهم".
وهذا جهل شنيع وكذب من أشد أنواع الكذب، فإن هذه المحاباه التي افترضوها على الله تعالى إنما هي من جنس الهوس والأماني الباطلة والقرآن مملوء بالرد على مثل هذه الافتراءات، والسنة كذلك ترد مثل هذه الأفكار الجاهلية، فالقرآن يصرح بأن (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِيِنٌ، وأن كل نفس (لَهَا ما كَسَبَتْ وعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ. وأن صلاح الآباء - إن كانوا صالحين بحق - لا يغني عن الأبناء إن لم يكونوا كذلك.
وقد صرح الرسول صلى الله عليه وسلم لقرابته أنه لا يملك لهم من الله شيئاً، وأن عليهم ألا يتكلوا على الأنساب، بل عليهم أن يحذروا الله عز وجل وأن يتقربوا إليه بالأعمال الصالحة؛ إذ لو كانت الأنساب تغني لما هلك والد إبراهيم وابن نوح على نبينا وعليهما الصلاة والسلام، وهذا رد صريح على ما يزعمه الصوفيون من التقرب إلى الله بولاية القطب الفلاني أو الغوث الفلاني، وأن الله يفيض حتى على العصاة منهم إكراماً لآبائهم، وإن الذي جرأهم على هذا هو قلة خوفهم من الله تعالى، واستحلالهم الكذب في سبيل مدح أوليائهم بالحق وبالباطل.
ومن طرق الصوفية الكثيرة:
الطريقة التجانية:
وسندرسها بالتفصيل كمثال للطرق الصوفية التي تعتم واجهة الإسلام المشرقة لدى كثير من جهلاء المسلمين الذين جرفهم تيار التجانية وأذلتهم واستعبدتهم وأوصلتهم إلى مآس يندى لها الجبين.
ولقد وقفت بنفسى على بعض ما يتعبد به التجانيون من طاعة مشائخهم، وإحياء خرافاتهم التي ما أنزل الله بها من سلطان وشدة تعصبهم لها، ونفورهم عن كل من يريد أن يسدي لهم النصيحة خروجاً عن كتمان الحق.
وهذه الطريقة التي لها الأمر والنهى في أقطار كثيرة من بلاد أفريقيا بخصوصها، وهى نسبة إلى شخص يسمى أحمد بن محمد بن مختار التجاني. ولد سنة 1150هـ، بقر ية عين ماضى، وينسب إلى بلدة تسمى "بني تجين" من قرى البربر، ولم يترك فضلاً مزعوماً ادعاه شيخ صوفي لنفسه إلا وادعاه هو لنفسه وزاد عليه، ولقد ادعى أموراً كثيرة يطول الحديث لو بسطت، وإنما نشير إليها إجمالاً فيما يأتي:
1 - ادعى أنه خاتم الأولياء جميعاً وهى دعوى كاذبة مبنية على فهم خاطئ وقياس باطل، فزعم أن الولاية لها ختم كختم النبوة ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، والتيجاني خاتم الأولياء فلا ولي بعده.
2 - أنه الغوث الأكبر في حياته وبعد مماته وقد جعل نفسه بهذه الدعوى وثناً يعبد من دون الله.
3 - أن أرواح الأولياء منذ آدم إلى وقت ظهوره، لا يأتيها الفتح والعلم الرباني إلا بواسطته هو، وهذا نهاية الحمق والقول على الله بغير علم، والاستهانة بعقول الناس وخداعهم.
¥