ويسمى بعد توجهه وإرادته المذهب الصوفي سالكاً، وبعد استمراره وسلوكه ومواظبته على الأوراد التي يلقنه الشيخ، فإذا أتقنها انتقل إلى مرتبة أخرى تسمى مرتبة العبودية (154)، وعليه أن يكثر من الضراعة والإلحاح إلى الله بترداد ما يمليه عليه المشائخ من أذكار وأوراد.
ثم ينتقل المريد إلى مقام آخر حيث تقبل عليه العناية الإلهية وينتقل قلبه إلى مقام العشق لله، وعلى المريد هنا أن يكثر من الرياضة التي توصله إلى ربه فيما يزعمون.
وهنا يصل السالك فيما يزعمون إلى الحقيقة وتسمى هذه المرحلة - مقام الحقيقة - التي يعرفها المنوفي بأنها "مشاهدة الربوبية"، وهي في الحقيقة الوصول إلى أعماق الوثنية والحلول فإذا وصل بزعمهم إلى مقام الحقيقة يمكنه أن يظل يرتقي إلى أن يحقق منازل ثلاثاً هي: "الفناء"، و "اللقاء"، و "البقاء"، والفناء يقصدون به أن يفنى العبد عن كل شيء في الله تعالى، ويصير كما قال الحلاج: ما في الجبة إلا الله.
والحاصل أن تلك هي الطرق لدخول المذهب كما أتضح مما سبق، ونجمل أهمها فيما يلي:
1 - أن يلتزم الشخص أمام شيخه بالمحافظة على الطريقة التي يحددها له الشيخ.
2 - أن يكون المريد - أي الدال في المذهب - على صلة بشيخه المأذون له هو أو من ينيبه الشيخ عنه ليتولى تعليم المريد.
3 - أن يجتاز المريد عهداً يعاهد الشيخ ويده في يده مغمضاً عينيه على الالتزام والوفاء الدائم لشيخه ولطريقته لا يحيد عنها ابداً.
4 - أن يكون المريد دائم الاشتغال بالأوراد والأدعية التي يقررها عليه الشيخ سواء عرف معانيها أم لا.
5 - أن يكمل مدة الخلوة التي يقررها الشيخ على المريد في سرداب أو دهليز أو زاوية مدة لا تزيد عن أربعين ليلة ولا تقل عن أربعين ليلة ولا تقل عن عشر ليال، ولهم شروط كثيرة لصحة هذه الخلوة قاسية جداً يخرج الشخص منها وهو في منتهى الحمق والبلادة والغفلة عن كل شيء إلا عن شيخه وأذكاره، وهو الهدف الحقيقي من تلك الفكرة.
الفصل الحادي عشر
ما أصول الصوفية؟
يزعم المتصوفة: كما هو شأن كل الطوائف المفارقة للمنهج الرباني أنهم على حق وأن ما يدينون به من أفكار وخرافات إنما هي نابعة من تمسكهم بالكتاب والسنة وفهم حقائق الإسلام، وهذه الدعوى ينتحلها زعماء الطوائف بغرض ترويج مبادئهم وإظهارها بمظهر الحق مهما كانت بعيدة عنه.
وذلك أن دعوى التمسك بالكتاب والسنة سهلة على اللسان ولكن التطبيق هو الذي يصدق ذلك أو يكذبه.
هذا الكلام لا يلام من احتار في أمر الصوفية ومصادرهم، فبينما هم يحضون على التمسك بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وعدم الخروج عنهما إذا بهم يفصحون بالحقيقة في النهاية وهي أن مصادرهم في التشريع إنما هو الكشف والإلهام وهو فعلاً ما سلكوه في كل سلوكهم وتشريعاتهم.
والواقع أن كل منصف له أدنى إلمام بالشريعة الإسلامية لو حكم في دعاوى الصوفية وفي زعمهم شرعيه شطحاتهم، ومستنداتهم في ذلك كله لا تضح له بما لا خفاء به أن المتصوفة قد جانبوا الصواب في كثير من أمور الدين، وأنه لا مستند لهم إلا هواهم الذي يسمونه الكشف والإلهام الصريح، دلك أن قولهم: أن التصوف نبعه القرآن والسنة والفقه في الدين، وفوق ذلك أن له قواعد وقوانين استمدوها من حقائق اليقين دعاوى غير ثابتة.
فليس في القرآن آية واحدة في شريعة غلو التصوف، وليس في السنة النبوية عبارة واحدة جاءت دليلاً يسند شطحات الصوفية وأورادهم وترنيماتهم وحلقات رقصهم، وليس في علوم الفقه الإسلامي وأصوله شيء من هذا القبيل، ثم هم لا يذكروا أيضاً أدلة من القرآن تدل فعلاً على ما يذهبون إليه.
الفصل الثاني عشر
إيضاحات لبعض الآراء الاعتقادية للصوفية
1 - ما عقيدة المتصوفة في الإله عز وجل:
يظهر في صورة الصوفي العابد الذي وصل إلى مرتبة النيابة عن الله قي تصريف أمور هذا الكون والتحكم فيه بحكم نيابته عن الله وعلمه بكل المغيبات ورؤيته لله في كل وقت لارتفاع الإنية بينه وبين الله عز وجل الذي يظهر أحياناً في صورة شاب وأحياناً في صورة الآكل والشارب، وأحياناً في صورة شخص كأنه محجور عليه تعالى بعد أن فوض الكون وما فيه إلى أقطاب الصوفية يتصرفون فيه بما يشاءون، كما تفيد أقوالهم وتبجحهم بذلك.
2 - الحلول:
¥