تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

سر حيّر العقلاء

ـ[وليد الدلبحي]ــــــــ[21 - 12 - 09, 10:01 ص]ـ

يقول ول ديورَانت: إن السكان الأصليين لبريطانيا الجديدة كانوا يعتقدون أن الموت جاء نتيجة خطأ، وهذا ناتج عن أن القوم وثنيون في الحقيقة، فهم يعتقدون بوجود إله اسمه "كامبيانا"، وله أخ أحمق اسمه "كورفانا" –تعالى الله عما يقول الكافرون-وأن هذا الإله أمر أخاه أن ينزل للبشر بأمر، وهو أن يسلخوا جلودهم؛ حتى يتخلصوا من الموت، ثم أمره أن ينبئ الثعابين أن موتها منذ اليوم أمر محتم، فخلط "كورفانا" فبلغ الثعابين الخلود، وقضاء الموت للإنسان (1).

فهذه حكاية عن قوم جعلوا عقولهم مرتعاً للخرافات والحماقة والدجل، فأي عقل يقبل بمثل هذه الحماقة العقدية، وهذه حكاية ساقطة في الأصل، فلا يمكن أن يكون هذا إلهًا قادرًا متصرفًا في خلقه، فإن المعبود الذي لا يمكن أن يبلّغ ما قضى، وأن يتم ما أمر، لا يستحق أن يكون إلهًا، وهذا هو الاعتقاد الصحيح، وإن كل كمال في المخلوق هو كمال لله من باب أولى، والله جل جلاله متصف بالكمال والعظمة، وهو الآمر الناهي، وهو المتصرف في خلقه جل جلاله.

ولمن أراد أن يعجب، ويحمد الله على سلامة العقل والدين، فليقرأ ما قاله جاك شورون:" ومن الأساطير النموذجية التي توضح أصل الموت أسطورة ناما بين الهوتنتوت التي جاء فيها أن القمر –وكانوا يعتقدون بإلوهية القمر تعالى الله عما يقول الكافرون- أرسل القملة يوما لتعد الإنسان بالخلود، وكانت الرسالة تقول: "كما أموت وفي مماتي أحيا، كذلك أنت ستموت وفي مماتك تحيا" وصادف الأرنب البري القملة في طريقها، ووعد بنقل الرسالة، غير أنه نسيها وأبلغ البديل الخاطئ لها: "كما أني أموت وفي مماتي أفنى ... الخ" فضرب القمر غاضباً الأرنب البري على شفته التي ظلت مشقوقة منذ ذلك الحين. (2)!!

وهذه أسطورة سخيفة قريبة إلى مسلسلات الأطفال الكرتونية، وهي ساقطة عقلاً، فكيف يتم استخدام الحيوانات الضعيفة لتبليغ أمر عظيم من إله، إلى مخلوقات عظيمة هم البشر؟!!. فهكذا تكون العقول وتفكيرها إذا ابتعدت عن الحق المبين، والصراط السوي المستقيم.

فبسبب هذه الشكوك وغيرها اعتنق بعض الناس الإلحاد، ورأوا أن الإلحاد هو أسلم طريقة لهم، وأن الطبيعة هي المتصرفة في نفسها، وكل ما يحدث فيها إنما هو ناتج عن مصادفة أو نتائج لمعادلات رياضية كونية. وهذا كله دجل وابتعاد بالعقل عن مكانه الطبيعي إلى مكان فيه ضرره وقتله؛ فالعقل بهذه السطحية في التفكير يُقتل، فلا يمكن أن يوجد شيء في هذه الحياة إلا وله مدبر وخالق، يستحيل عقلاً أن يوجد شيء يستطيع خلق نفسه، ولا يمكن أن تكون الطبيعة خالقةً لنفسها؛ إذ هي في الأساس مخلوقة، فهل المخلوق يخلق؟!

لا يمكن أن يخلق المخلوق نفسه ولا غيره من العدم، ويستحيل عقلاً وديناً، وهذا كله يدل على أن لهذا الكون خالقًا واحدًا متصرفًا فيه ومدبرًا له، وهو الله جل جلاله الواحد الأحد الفرد الصمد.

ومن عجيب ما نسمع ونشاهد في هذا الزمان، أن متحدثاً يعد من المثقفين المفكرين يقول: "إن العلم لا بد له أن يجد حلاً للموت" (3)!! غريب أن يصدر هذا القول من رجل يقول عن نفسه" إنه مسلم "، فالمسلم مؤمن بأن الموت حق على كل المخلوقات، والعاقل من الناس يجب أن يؤمن أن الموت لا بد منه، فهذا من قانون الحياة الأساسي، الذي أبدعه الخالق جل جلاله، فإن كان الموت قد أخذ من الكاتب أصحابه وأحبابه، فقد أخذ الأنبياء والمرسلين، وهم أكرم عند الله من باقي البشر، فغريب، كيف لعاقل أن يقول مثل هذا القول؛ لأنه إن لم يمت الناس، فقد ضاقت الدنيا بأهلها، وضاقت الأرزاق، وعاش الناس في غم وهم وضيق، ولم يكن للوليد فرحة، ولا للزواج نشوة، ولما كان لهذه الحياة متعة، ولأمن الكافر والظالم على نفسه، وحزن المظلوم؛ لأنه قد انتفى العدل ببقاء الناس دون حكم وقضاء، ولا يتم هذا إلا في الآخرة، ولا يمكن أن تقوم القيامة إلا بعد الموت، فهذا حكم الله الذي لا مفر منه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير