تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومهما بلغ العلم والطب، فلن يصل إلى أن يخالف إرادة الخالق الواجد سبحانه، ومصير العلم أن يتوقف في مكان لا بد أن يتوقف فيه، فما هو العلم الذي يتحدى قدرة الله جل جلاله؟ ثم إن مثل هذا الأمل الغريب، لهو أمل ضئيل صغير؛ إذ كيف يترك الإنسان العاقل الحياة الأبدية السرمدية في النعيم، بحياة كلها تعب ونكد وهم وغم، مقارنة باطلة، وصفقة خاسرة. فالموت لا بد منه كما قال الله جل جلاله: "كل نفس ذائقة الموت".

ولذا فالموت قد حيَّر خلقاً كثيراً، وشتت أذهانهم، وجعل بعضهم يشك في وجود المصرف الخالق –جل جلاله-، وهو شيءٌ خارج عن محيط تفكير الإنسان؛ لأن التفكير له نطاقه الخاص، وحدوده المعرفية، فلا يمكن أن يتجاوز هذه الحدود مهما كان الأمر، ولا يمكن أن يفسر الحوادث والأقدار على ما بدا له، أو خطر بباله، أو عالجه همه، أوقلَّبه بفكره.

وإن حوادث الحياة كثيرة، والأقدار عظيمة، ومنها الصالح في الظاهر، ومنها الشر فيما يبدو للناس، ولكن الخير والشر بيد الله لا يعلمه إلا هو، والموت من أعظم الأمور التي تُقلق بعض البشر، وتُكثر الأسئلة في أذهانهم، وتجعلهم يعيشون في شك شديد، وحيرة عظيمة، ثم يتطور بهم الحال إلى أن يصلوا إلى طريق مسدود، لا يمكن أن يقتحموه بعقولهم القاصرة عن إدارك كثير من الحقائق.

فالموت أمر عظيم، وخطب جلل جعل كثيراً من الناس في دوامة لا يعرف لها قراراً ولا يجد منها خلاصاً، ينتهي من سؤال فيقع على سؤال آخر، وكلها دائرة في حلقة مفرغة، وسبب الفراغ أنه بلا دين ولا عقيدة تحكم له الأمور، وتزن له المسألة.

وقد يسأل سائل: ما دخل الموت في الدين والعقيدة؟ فنقول: لو كان لدى الإنسان قاعدة ثابتة ينطلق منها، لما وقف في وجهه مثل هذه الإشكالات التي زيَّنها الشيطان لبني الإنسان، ولم يجد عنده شكاً، ولم يلتفت إليها؛ لأن الأصل الذي لا بد أن ينطلق منه الإنسان، وأن يزن به أموره، هو الدين والعقيدة، فمن كان لديه عقيدة ثابتة في أن الحياة مرحلة انتقالية إلى دار يتم فيها القضاء والحساب، لعلم أن الموت أمرٌ محتم لا بد منه؛ لأنه لا يمكن أن تستمر هذه الحياة، فلم يُقدر لهذه الحياة الدنيوية الخلود؛ لأنه من المنتفي عقلاً وديناً أن يبقى الناس في هذه الحياة دون حساب، ومحال بقاء الحياة بظلم الناس فيها، وسرقاتهم، وكذبهم، وقتلهم، واعتدائهم على الناس، وتجبر الجبابرة، وظلم الظلمة، وتسلط الناس على بعضهم، فلا يمكن أن يمر بلا حساب، ولا يمكن أن يستمر هذا إلى الأبد؛ ولذا جُعلت الحياة مرحلة انتقالية إلى دار يتم فيها العدل، ويُرد فيها الحق إلى أهله، ويُقتص من الظلمة والجبابرة وغيرهم، فلا بد من هذا الأمر، وإن طالت الحياة الدنيوية في نظر كثيرٍ من الناس.

فقضاء الله بالموت على خلقه جميعاً، الحر منهم والعبد، والقوي منهم والضعيف، الظالم منهم والمظلوم، والخيّر منهم والشرير، جعل بعض الناس ممن ينتمون إلى العلم والعقل، يشك في هذه الأقدار الإلهية، ويتهمها بالظلم –تعالى الله-وسببه أنهم يرون في مثل هذا القضاء عدم إنصاف وعدل، ففي نظرهم كيف يموت الغني والفقير؟ وكيف يموت الطيب والخبيث؟ فهم يرون هذا تناقضًا، فنقول مجيبين عن هذا الاعتراض: إن من العدل الإلهي التام أن يكون حكم الموت على جميع من خُلق، فلا يُميز ولا يُستثنى أحد، فالجميع يموتون، والجميع ينتقلون من هذه الحياة إلى حياة أخرى؛ ليُفصل بين الناس، ويتم القضاء الحق كما أسلفنا.

الموت أمر لا بد منه، وما لدى الله –جل جلاله-من نعيم خير مما في الدنيا، وما عند الله من عذاب أعظم مما في الدنيا، فمن ظلم وتجبر وطغى في الأرض، فله عذاب عظيم عند رب عزيز لا يظلم، ومن أراد النعيم والسرور في الدنيا فعند الله من النعيم ما لا عين رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر.

نسأل الله حياة السعداء، وموت الشهداء، وجنة عرضها السماوات والأرض، أعدت للمتقين.

أخوكم/ وليد بن خالد الدلبحي

[email protected]

الحواشي:

(1) - قصة الحضارة الجزء الأول، ص 100.

(2) - الموت في الفكر الغربي، ص 16. عالم المعرفة.

(3) - العربية نت، برنامج إضاءات، رابط الموضوع: http://www.alarabiya.net/programs/2004/09/23/6573.html

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير