تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و هؤلاء أقرب من حيث أثبتوا إرادات الأفعال و لكن يلزمهم ما لزم أولئك من حيث أثبتوا حوادث بلا سبب حادث و تخصيصات بلا مخصص و جعلوا تلك الإرادة واحدة تتعلق بجميع الإرادات الحادثة و جعلوها أيضا تخصص لذاتها و لم يجعلوا عند وجود الإردات الحادثة شيئا حدث حتى تخصص تلك الإرادات الحدوث.

و القول الثالث: قول الجهمية و المعتزلة الذين ينفون قيام الإرادة به ثم إما أن يقولوا بنفي الإرادة أو يفسرونها بنفس الأمر و الفعل أو يقولوا بحدوث إرادة لا في محل كقول البصريين

و كل هذه الأقوال قد علم أيضا فسادها.

و القول الرابع: أنه لم يزل مريدا بإرادات متعاقبة فنوع الإرادة قديم و أما إرادة الشيء المعين فإنما يريده فى وقته.

و هو سبحانه يقدر الأشياء و يكتبها ثم بعد ذلك يخلقها فهو إذا قدرها علم ما سيفعله و أراد فعله في الوقت المستقبل لكن لم يرد فعله فى تلك الحال فإذا جاء و قته أراد فعله؛ فالأول عزم , و الثاني قصد.

وهل يجوز و صفه بالعزم فيه قولان:

أحدهما: المنع كقول القاضي أبى بكر و القاضي أبى يعلى.

و الثاني: الجواز و هو أصح فقد قرأ جماعة من السلف {فإذا عزمت فتوكل على الله} بالضم و في الحديث الصحيح من حديث أم سلمة: ثم عزم الله لي. و كذلك فى خطبة مسلم: فعزم لي.

و سواء سمي عزما أو لم يسم؛ فهو سبحانه إذا قدرها علم أنه سيفعلها في وقتها , و أراد أن يفعلها في وقتها؛ فإذا جاء الوقت فلا بد من إرادة الفعل المعين و نفس الفعل و لابد من علمه بما يفعله.

مجموع الفتاوى (16

301 - 304)

وقال: أما الإرادة فذكروا لها ثلاثة لوازم و الثلاثة تناقض الإرادة.

قالوا: أنها تكون و لا مراد لها بل لم يزل كذلك ثم حدث مرادها من غير تحول حالها , و هذا معلوم الفساد ببديهة العقل؛ فإن الفاعل إذا أراد أن يفعل فالمتقدم كان عزما على الفعل و قصدا له فى الزمن المستقبل لم يكن إرادة للفعل في الحال بل إذا فعل فلابد من إرادة الفعل في الحال , و لهذا يقال الماضي عزم و المقارن قصد فوجود الفعل بمجرد عزم من غير أن يتجدد قصد من الفاعل ممتنع؛ فكان حصول المخلوقات بهذه الإرادة ممتنعا لو قدر إمكان حدوث الحوادث بلا سبب؛ فكيف و ذاك أيضا ممتنع في نفسه فصار الامتناع من جهة الإرادة و من جهة تعينت بما هو ممتنع في نفسه.

الثاني: قولهم أن الإرادة ترجح مثلا على مثل فهذا مكابرة بل لا تكون الإرادة إلا لما ترجح و جوده على عدمه عند الفاعل إما لعلمه بأنه أفضل أو لكون محبته له أقوى و هو إنما يترجح في العلم لكون عاقبته أفضل فلا يفعل أحد شيئا بإرادته إلا لكونه يحب المراد أو يحب ما يؤول إليه المراد بحيث يكون وجود ذلك المراد أحب إليه من عدمه لا يكون و جوده و عدمه عنده سواء.

الثالث: أن الإرادة الجازمة يتخلف عنها مرادها مع القدرة؛ فهذا أيضا باطل بل متى حصلت القدرة التامة و الإرادة الجازمة وجب وجود المقدور و حيث لا يجب فإنما هو لنقص القدرة أو لعدم الإرادة التامة والرب تعالى ما شاء كان و ما لم يشأ لم يكن , و هو يخبر في غير موضع أنه لو شاء لفعل أمورا لم يفعلها كما قال {و لو شئنا لآتينا كل نفس هداها} {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة} {ولو شاء الله ما اقتتلوا} فبين أنه لو شاء ذلك لكان قادرا عليه لكنه لا يفعله لأنه لم نشأه إذ كان عدم مشيئته أرجح في الحكمة مع كونه قادرا عليه لو شاءه.

مجموع الفتاوى (16

459)

وقال: فإن القائلين بتأخر مرادها؛ إنما قالوا ذلك فرارا من القول بدوام الحوادث ووجود حوادث لا أول لها , وعلى هذا التقدير فيلزم حدوث العالم؛ وإلا فلو جاز دوام الحوادث لجاز عندهم وجود المراد في الأزل , ولو جاز ذلك لم يقولوا بتأخر المراد عن الإرادة القديمة الأزلية مع ما في ذلك من ترجيح أحد المتماثلين على الآخر بلا مرجح , وما في ذلك من الشناعة عليهم ونسبة كثير من العقلاء إلى أنهم خالفوا صريح المعقول.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير