تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإنهم إنما صاروا إلى هذا القول لاعتقادهم امتناع حوادث لا أول لها؛ فاحتاجوا لذلك أن يثبتوا إرادة قديمة أزلية يتأخر عنها المراد ويحدث بعد ذلك من غير سبب حادث واحتاجوا أن يقولوا إن نفس الإرادة تخصص أحد المتماثلين على الآخر , وإلا فلو اعتقدوا جواز دوام الحوادث وتسلسلها لأمكن أن يقولوا بأنه تحدث الإرادات والمرادات ويقولون بجواز قيام الحوادث بالقديم ولرجعوا عن قولهم بأن نفس الإرادة القديمة تخصص أحد المثلين في المستقبل وعن قولهم بحدوث الحوادث بلا سبب حادث وكانوا على هذا التقدير لا يقولون بقدم شيء من العالم بل يقولون إن كل ما سوى الله فإنه حادث كائن بعد أن لم يكن.

منهاج السنة (1

392)

قال ابن رشد في الرد على ذلك: وما يقوله المتكلمون في جواب هذا، من أن الفعل الحادث كان بإرادة قديمة، ليس بِمُنج ولا مخلصٍ من هذا الشك؛ لأن الإرادة غيرُ الفعل المتعلق بالمفعول. وإذا كان المفعول حادثاً فواجب أن يكون الفعل المتعلق بإيجاده حادثاً.

وسواء فرضنا الإرادة قديمةً أو حديثةً، متقدمة على الفعل أو معه، فكيفما كان، فقد يلزمهم أن يجوِّزوا على القديم أحد ثلاثة أمور: إما إرادة حادثة وفعل حادث،- وهذا لا يسلمون به - وإما فعل حادث وإرادة قديمة،- وهذا لا يتصور - وإما فعل قديم وإرادة قديمة – وهذا مناف للمعقول -. والحادث ليس يمكن أن يكون عن فعل قديم بلا واسطة، إن سلمنا لهم أنه يوجد عن إرادة قديمة.

ووضع الإرادة نفسها هي للفعل المتعلق بالمفعول شيءٌ لا يعقل , وهو كفرض مفعول بلا فاعل؛ فإن الفعل غير الفاعل، وغير المفعول، وغير الإرادة. والإرادة هي شرط الفعل لا الفعل.

وأيضاً فهذه الإرادة القديمة يجب أن تتعلق بعدم الحادث دهراً لا نهاية له،، إذ كان الحادث معدوماً دهراً لا نهاية له. فهي لا تتعلق بالمراد في الوقت الذي اقتضت إيجاده إلا بعد انقضاء دهر لا نهاية له. وما لا نهاية له لا ينقضي؛ فيجب ألا يخرج هذا المراد إلى الفعل، أو ينقضي دهرٌ لا نهاية له وذلك ممتنع. وهذا هو بعينه برهام المتكلمين الذي اعتمدوه في حدوث دورات الفلك.

وأيضاً فإن الإرادة التي تتقدم المراد، وتتعلق به بوقت مخصوص، لا بد أن حدث فيها، في وقت إيجاد المراد، عزمٌ على الإيجاد لم يكن قبل ذلك الوقت، لأنه إن لم يكن في المريد، في وقت الفعل، حالةٌ زائدة على ما كانت عليه في الوقت الذي اقتضت الإرادة عدم الفعل، لم يكن وجود ذلك الفعل عنه في ذلك الوقت أولى من عدمه.

إلى ما في هذا كله من التشعيب والشكوك العويصة التي لا يتخلص منها العلماء المهَرَة بعلم الكلام و الحكمة، فضلاً عن العامة. ولو كُلِّف الجمهور العلم من هذه الطرق لكان من باب تكليف ما لا يطاق.

الكشف عن مناهج الأدلة (30 - 31)

قلت: وقوله: وإذا كان المفعول حادثاً فواجب أن يكون الفعل المتعلق بإيجاده حادثاً. وهذا هو القول الصواب , وأن الأفعال تقوم بذات الله وهي من الصفات التابعة لمشيئته واختياره.

قلت: وقوله: وأيضاً فهذه الإرادة القديمة يجب أن تتعلق بعدم الحادث دهراً لا نهاية له،، إذ كان الحادث معدوماً دهراً لا نهاية له. فهي لا تتعلق بالمراد في الوقت الذي اقتضت إيجاده إلا بعد انقضاء دهر لا نهاية له. وما لا نهاية له لا ينقضي؛ فيجب ألا يخرج هذا المراد إلى الفعل، أو ينقضي دهرٌ لا نهاية له وذلك ممتنع. وهذا إلزام قوي من ابن رشد للأشاعرة , لأن الإرادة القديمة يستلزمها ما يستلزم الذات من الأولية , فهذا العدم إن كان متناهيا تنافى مع القول بالقدم , وإن لم يكن متناهيا لاستلزم أن لا يصدر الفعل لأن ما يتناهى لا ينقضي.

قال ابن رشد: وأما المقدمة القائلة إن الإرادة لا يكون عنها إلا مراد محدث؛ فذلك شيء غير بين , وذلك أن الإرادة التي بالفعل، فهي مع فعل المراد نفسه، لأن الإرادة من المضاف. وقد تبين أنه إذا وجد أحد المضافين بالفعل وجد الآخر بالفعل، مثل الأب والابن، وإذا وجد أحدهما بالقوة وجد الآخر بالقوة. فإن كانت الإرادة التي بالفعل حادثة فالمراد ولا بد حادث بالفعل وإن كانت الإرادة التي بالفعل قديمة فالمراد الذي بالفعل قديم. وأما الإرادة التي تتقدم المراد فهي الإرادة التي بالقوة، أعني التي لم يخرج مرادها إلى الفعل، إذ لم يقترن بتلك

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير