تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

{إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصلح} [فاطر: 10]، وقال تعالى: {تعرج الملكة والروح إليه} [المعراج: 4]. وبالجملة جميع الأشياء التي تلزم القائلين بنفي الجهة على ما سنذكره بعد عند التكلم في الجهة.

الكشف عن مناهج الأدلة (61 - 62)

وقال ابن رشد: إن الذي بقي علينا من هذا الجزء من المسائل المشهورة، هي مسألة الرؤية.

فإنه قد يظن أن هذه المسألة هي بوحه ما داخلة في الجزء المتقدم لقوله تعالى {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} [الأنعام: 103]. ولذلك أنكرها المعتزلة وردت الآثار الواردة في الشرع بذلك مع كثرتها وشهرتا. فشنع الأمر عليهم.

وسبب وقوع هذه الشبهة في الشرع أن المعتزلة، لما اعتقدوا انتفاء الجسمية عنه سبحانه واعتقدوا وجوب التصريح بها لجميع المكلفين، ووجب عندهم، إن انتفت الجسمية، أن تنتفي الجهة، وإذا انتفت الجهة انتقت الرؤية، إذ كل مرئي في جهة من الرائي. فاضطروا لهذا المعنى لرد الشرع المنقول، واعتلوا للأحاديث بأنها أخبار آحاد، وأخبار الآحاد لا توجب العلم. مع أن ظاهر القرآن معارض لها، أعني قولة تعالى: {لا تدركه الأبصار].

وأما الأشعرية فراموا الجمع بين الاعتقادين، أعني بين انتفاء الجسمية وبين جواز الرؤية لما ليس بجسم بالحس، فعسر ذلك عليهم ولجأوا في ذلك إلى حجج سوفسطائية مموهة، أعني الحجج التي توهم أنها حجج وهي كاذبة.

وذلك أنه يشبه أن يكون يوجد في الحجج ما يوجد في الناس , أعني: أنه كما يوجد في الناس الفاضل التام الفضيلة، ويوجد فيهم من دون ذلك في الفضل، ويوجد فيهم من يوهم أنه فاضل وليس بفاضل، وهو المرائي. كذلك الأمر في الحجج. أعني أن منها ما هو في غاية اليقين، ومنها ما هو دون اليقين، ومنها حجج مرائية، وهي التي توهم أنها يقين وهي كاذبة والأقاويل التي سلكتها الأشعرية في هذه المسألة، منها أقاويل في دفع دليل المعتزلة ومنها أقاويل لهم في إثبات جواز الرؤية لما ليس بجسم، وأنه ليس يعرض من فرضها محال.

فأما ما عاندوا به قول المعتزلة: أن كل مرئي فهو في جهة من الرائي. فمنهم من قال إن هذا إنما هو حكم الشاهد إلى الغائب، وأنه جائز أن يرى الإنسان ما ليس في وجهة، إذا كان جائزاً أن يرى الإنسان بالقوة المبصرة نفسها دون عين.

وهؤلاء اختلط عليها إدراك البصر فظاهر من أمره؛ أن من شرطه أن يكون المرئي منه في جهة، ولا في جهة فقط، بل وفي جهة ما مخصوصة. ولذلك ليس تتأتى الرؤية بأي وضع اتفق أن يكون البصر من المرئي، بل بأوضاع محدودة وشروط محدودة أيضاً، وهي ثلاثة أشياء: حضور الضوء، والجسم الشفاف المتوسط بين البصر والمبصر، وكون المبصر ذا ألوان ضرورة. والرد لهذه الأمور المعروفة بنفسها في الإبصار هو رد للأوائل المعلومة بالطبع للجميع، وإبطال لجميع علوم المناظر والهندسة.

وقد قال القوم، أعني الأشعرية: إن أحد المواضع التي يجب أن ينقل فيها حكم الشاهد إلى الغائب هو الشرط، مثل حكمنا أن كل عالم حي، لكون الحياة تظهر في الشاهدة شرطاً في وجود العلم. وإن كان ذلك، قلنا لهم: وكذلك يظهر في الشاهد أن هذه الأشياء هي شروط في الرؤية، فألحقوا الغائب فيها بالشاهد على أصلكم!

وقد رام أبو حامد في كتابة المعروف بالمقاصد أن يعاند هذه المقدمة، أعني أن كل مرئي في وجهة من الرائي، بأن الإنسان يبصر ذاته في المرآة. وذاته ليست منه في جهة غير جهة مقابلة وذلك أنه لما كان يبصر ذاته وكانت ذاته ليست تحل في المرآة التي في الجهة المقابلة، فهو يبصر ذاته في غير جهة.

وهذه المغالطة فإن الذي يبصر هو خيال ذاته. والخيال منه هو في جهة إذ كان الخيال في المرآة، والمرآة في جهة.

وأما حجتهم التي أتوا بها في إمكان رؤية ما ليس بجسم، فإن المشهور عندهم في ذلك حجتان: إحداهما وهو الأشهر عندهم، ما يقولونه من أن الشيء لا يخلو أن يرى من جهة ما هو ملون، أو من جهة أنه جسم، أو من جهة أنه لون، أو من جهة أنه موجود، وربما عددوا جهات أخر غير هذه للموجود. ثم يقولون: وباطل أن يرى من قبل أنه جسم، إذ لو كان ذلك كذلك لما رئي اللون. وباطل أن يرى لمكان أنه لون، إذ لو كان ذلك لما رئي الجسم. قالوا: وإذا بطلت جميع هذه الأقسام التي تتوهم في هذا الباب، فلم يبق أن يرى الشيء إلا من قبل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير