تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تخمينات، بخلاف الأمر في سائر علومهم. وأما في كتابه الذي سماه بـ ((المنقذ من الضلال))، فأنحى فيه على الحكماء، وأشار إلى أن العلم إنما يحصل بالخلو والفكرة، وأن هذه المرتبة هي من جنس مراتب الأنبياء في العلم.

وكذلك صرح بذلك بعينه في كتابه الذي سماه بـ ((كيمياء السعادة)).

الكشف عن مناهج الأدلة (72 - 75)

المسألة الثالثة والعشرون: نفي الحكمة

قال ابن رشد: وإنما صارت مبطلة للحكمة لأن الحكمة ليست شيئاً أكثر من معرفة أسباب الشيء. وإذا لم يكن للشيء أسباب ضرورية تقتضي وجوده على الصفة التي هو بها ذلك النوع موجود، فليس ها هنا معرفةٌ يختص بها الحكيم الخالق دون غيره. كما أنه لو لم تكن ها هنا أسباب ضرورية في وجود الأمور المصنوعة، لم تكن هنالك صناعة أصلاً، ولا حكمة تنسب إلى الصانع دون من ليس بصانع. وأي حكمة كانت تكون في الإنسان لو كانت جميع أفعال وأعماله يمكن أن تتأتي بأي عضو اتفق، أو بغير عضو، حتى يكون الإبصار مثلاً يتأتى بالإذن كما يتأتى بالعين، والشم بالعين كما يتأتى بالأنف؟ وهذا كله إبطال للحكمة وإبطال للمعنى الذي سمَّى به نفسه، تعالى وتقدست أسماؤه عن ذلك.

الكشف عن مناهج الأدلة (37 - 38)

وقال ابن رشد: وينبغي أن تعلم أن هذا النوع من الاستدلال في غاية المضادة للاستدلال الذي زعمت الأشعرية أنه الطريق إلى معرفة الله سبحانه. وذلك أنهم زعموا أن دلالة الموجودات على الله تبارك وتعالى، ليس من أجل حكمة فيها تقتضي العناية، ولكن من قبل الجواز، أي من قبل يظهر في جميع الموجودات أنه جائز في العقل أن يكون بهذه الصفة وبضدها. فإنه إن كان هذا الجواز على السواء، فليس ها هنا حكمة، ولا توجد ها هنا موافقة أصلاً بين الإنسان وبين أجزاء العالم.

وذلك أنه إن كان يمكن على زعمهم أن تكون الموجودات على غيرها ما هي عليه، كوجودها على ما هي عليه، فليس ها هنا موافقة بين الإنسان وبين الموجودات التي امتن عليه الله بخلقها، وأمره بشكره عليها. فإن هذا الرأي يلزمه أن يكون إمكان خلق الإنسان جزءاً من هذا العالم كإمكان خلقة في الخلاء، مثلاً، الذي يرون أنه موجود. بل والإنسان عندهم يمكن أن يكون بشكل آخر، وخلقة أخرى، ويوجد عنه فعل الإنسان. وقد يمكن عندهم أن بشكل آخر، وخلقة أخرى، ويوجد عنه فعل الإنسان. وقد يمكن عندهم أن يكون جزءاً من عالم آخر مخالف بالحد والشرح العالم، فلا تكون نعمة ها هنا يمتن بها على الإنسان، لأن ما ليس بضروري ولا جهة الأفضل في وجود الإنسان، فالإنسان مستغن عنه. وما هو مستغنى عنه فليس وجوده بإنعام عليه. وهذا كله خلاف ما في فطر الناس.

وبالجملة فكما أن من أنكر وجود المسببات مرتبة على الأسباب في الأمور الصناعية، أو لم يدكها فهمه، فليس عنده علم بالصناعة ولا الصانع، كذلك من جحد وجود ترتيب المسببات على الأسباب في هذا العالم، فقد جحد الصانع الحكيم تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً.

الكشف عن مناهج الأدلة (89 - 90)

قال شيخ الإسلام: فمن قال من أهل الكلام إنه لا يفعل الأشياء بالأسباب بل يفعل عندها لا بها ولا يفعل لحكمة ولا في الأفعال المأمور بها ما لأجله كانت حسنة ولا المنهي عنها ما لأجله كانت سيئة فهذا مخالف لنصوص القرآن والسنة وإجماع الأمة من السلف.

وأول من قاله في الإسلام جهنم بن صفوان الذي أجمع الأمة على ضلالته فإنه أول من أنكر الأسباب والطبائع كما أنه أول من ظهر عنه القول بنفي الصفات وأول من قال بخلق كلام الله وإنكار رؤيته في الآخرة.

ونصوص الكتاب والسنة في إبطال هذا كثيرة جدا كقوله {قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم} فسلب النار طبيعتها وقوله {لنخرج به حبا ونباتا} وقوله {حتى إذا أقلت سحابا ثقالا} فأخبر أن الرياح تقل السحاب أي تحمله فجعل هذا الجماد فاعلا بطبعه وقال {اهتزت وربت} {وأنبتت} فجعلها فاعلة بطبعها وقوله {فأنبتنا فيها من كل زوج كريم} وهو الكثير المنفعة والزوج الصنف.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير