تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والأدلة في ذلك كثيرة يخبر فيها أنه يخلق بالأسباب والحكم وأخبر أنه قائم بالقسط وأنه لا يظلم الناس شيئا فلا يضع شيئا في غير موضعه ولا يسوي بين مختلفين ولا يفرق بين متماثلين كما قال {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم}؟ الآية وقال {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض} الآية وقال {أفنجعل المسلمين كالمجرمين} الآية وقال {وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات} الآية وغيرها كثير.

مجموع الفتاوى (

193)

وقال ابن القيم رحمه الله: وقد أثنى على عباده المؤمنين حيث نزهوه عن إيجاد الخلق لا لشيء ولا لغاية فقال تعالى: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً} [آل عمران:191]. وأخبر أن هذا ظن أعدائه لا ظن أوليائه فقال: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [ص:27]، وكيف يتوهم أنه عرفه من يقول أنه لم يخلق لحكمة مطلوبة له, ولا أمر لحكمة ولا نهى لحكمة, وإنما يصدر الخلق والأمر عن مشيئة وقدرة محضة لا لحكمة ولا لغاية مقصودة, وهل هذا إلا إنكار لحقيقة حمده بل الخلق والأمر إنما قام بالحكم والغايات فهما مظهران بحمده وحكمته؛ فإنكار الحكمة إنكار لحقيقة خلقه وأمره؛ فإن الذي أثبته المنكرون من ذلك ينزه عنه الرب ويتعالى عن نسبته إليه فإنهم أثبتوا خلقاً وأمراً لا رحمة فيه ولا مصلحة ولا حكمة، بل يجوز عندهم أو يقع أن يأمر بما لا مصلحة للمكلف فيه البتة وينهى عما فيه مصلحة والجميع بالنسبة إليه سواء، ويجوز عندهم أن يأمر بكل ما نهى عنه وينهى عن جميع ما أمر به, ولا فرق بين هذا وهذا إلا لمجرد الأمر والنهي, ويجوز عندهم أن يعذب من لم يعصه طرفة عين بل أفنى عمره في طاعته وشكره وذكره، وينعم على من لم يطعه طرفة عين بل أفنى عمره في الكفر به والشرك والظلم والفجور. فلا سبيل إلى أن يعرف خلاف ذلك منه إلا بخبر الرسول, وإلا فهو جائز عليه, وهذا من أقبح الظن وأسوأه بالرب سبحانه وتنزيهه عنه كتنزيهه عن الظلم والجور بل هذا هو عين الظلم الذي يتعالى الله عنه.

والعجب العجاب أن كثيراً من أرباب هذا المذهب ينزهونه عما وصف به نفسه من صفات الكمال ونعوت الجلال، ويزعمون أن إثباتها تجسيم وتشبيه ولا ينزهونه عن هذا الظلم والجور, ويزعمون أنه عدل وحق وأن التوحيد عندهم لا يتم إلا به كما لا يتم إلا بإنكار استوائه على عرشه وعلوه فوق سماواته، وتكلمه وتكليمه، وصفات كماله فلا يتم التوحيد عند هذه الطائفة إلا بهذا النفي وذلك الإثبات والله ولي التوفيق.

"شفاء العليل" (2/ 588).

المسألة الرابعة والعشرون: إنكار الأسباب

قال ابن رشد: أما إنكار وجود الأسباب الفاعلة التي تشاهد في المحسوسات فقول سفسطائي: والمتكلم بذلك إما جاحد بلسانه لما في جنانه , وإما منقاد لشبهة سفسطائية عرضت له في ذلك. ومن ينفي ذلك فليس يقدر أن يقدر أن يعترف أن كل فعل لا بد له من فاعل وأما أن هذه الأسباب مكتفية بنفسها في الأفعال الصادرة عنها , أو إنما تتم أفعالها بسبب من خارج: إما مفارق , وإما غير مفارق فأمر ليس معروفاً بنفسه ,وهو مما يحتاج إلى بحث وفحص كثير.وإن ألفوا هذه الشبهة في الأسباب الفاعلة التي يحس أن بعضها يفعل بعضاً لموضع ما ههنا من المفعولات التي لا يحس فاعلها , فإن ذلك ليس بحق , فإن التي لا تحس أسبابها إنما صارت مجهولة ومطلوبة ,من أنها لا يحس لها أسباب.فإن كانت الأشياء التي لا تحس لها أسباب مجهولة بالطبع , ومطلوبة فما ليس بمجهول فأسبابه محسوسة ضرورة. وهذا من فعل من لا يفرق بين المعروف بنفسه والمجهول. فما أتى به في هذا الباب مغلطة سفسطائية. وأيضا , فماذا يقولون في الأسباب الذاتية التي لا يفهم الموجود إلا بفهمها , فإنه من المعروف بنفسه أن للأشياء ذوات وصفات , هي التي اقتضت الأفعال الخاصة بموجود موجود.وهي التي من قبلها اختلفت ذوات الأشياء وأسماؤها وحدودها. فلو لم يكن لموجود موجود فعل يخصه , لم يكن له طبيعة تخصه , ولو لم يكن له طبيعة تخصه , لما كان له اسم يخصه ولا حدّ. وكانت الأشياء كلها شيئاً واحداً، ولا شيئاً واحداً. لأن ذلك الواحد يسأل عنه: هل له فعل واحد يخصه؟ أو انفعال يخصه؟ أو ليس له ذلك؟ فإن كان

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير