تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يرون أن الأنسان ليس له اكتساب , ولا له فعل مؤثر في الموجودات. فإن كان الفاعل الذي في الشاهد هكذا , فمن أين ليت شعري قيل: إن رسم الفاعل الحقيقي في الغائب هو أن يكون عن علم وإرادة.

تهافت التهافت (130)

وقال ابن رشد: ونحن نقول: إنه لولا القوى التي في أجسام الحيوان والنبات والقوى السارية في ها العالم مكن حركات الأجرام السماوية لما أمكن أن تبقى أصلا، ولا طرفة عين. فسبحان اللطيف الخبير. وقد نبه الله تعالى على ذلك في غير ما آية من كتابه، فقال تعالى: {وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر} [النحل: 12]. وقوله تعالى: {قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيمة} [القصص: 71]. وقوله تعالى {ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله} [القصص: 73] وقوله تعالى: {وسخر لكم مافي السموت ومافي الأرض جمعيا منه} [الجاثية: 13]. وقوله: {وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار} [إبراهيم: 33]. إلى غير ذلك من الآيات التي في هذا المعنى. ولو لم يكن لهذه تأثير فيما ها هنا لما كان في وجودها حكمة امتن بها علينا. ولا جعلت من النعم التي يخصنا شكرها.

وأما الجواب الثاني: فإنا نقول: إن الموجودات الحادثة، منها ما هي جواهر وأعيان، ومنها ما هي حركات وسخونة وبرودة وبالجملة أعراض. فأما الجواهر والأعيان فليس يكون اختراعها إلا عن الخالق سبحانه. وما يقترن بها من الأسباب فإنما يؤثر في أعراض تلك الأعيان لا في جواهرها. مثال ذلك أن المني إنما يفيد من المرأة أو دم الطمث حرارة فقط، وأما خلقة الجنين ونفسه التي هي الحياة فإنما المعطي لها الله تبارك وتعالى. كذلك الفلاح إنما يفعل في الأرض تخميراً وإصلاحاً ويبذر فيها الحب. وأما المعطي لخلقة السنبلة فهو الله تبارك وتعالى.

فإذن: على هذا لا خالق إلا الله تعالى: إذ كانت المخلوقات في الحقيقة هي الجواهر. وإلى هذا المعنى أشار بقوله تعالى: {يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب} [الحج: 73]. وهذا هو الذي رام أن يغالط فيه الكافر إبراهيم عليه السلام حين قال: {أنا أحي وأميت} [البقرة: 258]. فلما رأى إبراهيم عليه السلام أنه لا يفهم هذا المعنى انتقل معه إلى دليل قطعة به فقال {فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب} [البقرة 258].

وبالجملة فإذا فهم الأمر هكذا في الفاعل والخالق، لم يعرض من ذلك تعارض لا في السمع ولا في العقل. ولذلك ما نرى أن اسم الخالق أخص بالله تعالى من اسم الفاعل، لأن اسم الخالق لا يشركه فيه المخلوق، لا باستعارة قريبة ولا بعيدة: إذ كان معنى الخالق هو المخترع للجواهر. ولذلك قال تعالى: {والله خلقكم وما تعلمون} [الصافات: 96].

وينبغي أن تعلم أن من جحد كون الأسباب مؤثرة بإذن الله في مسبباتها، أنه قد أبطل الحكمة وأبطل العلم. وذلك أن العلم هو معرفة الأشياء بأسبابها، والحكمة هي المعرفة بالأسباب الغائية. والقول بإنكار الأسباب جملة قول غريب جداً عن طباع الناس. والقول بنفي الأسباب في الشاهد ليس له سبيل إلى إثبات سبب فاعل في الغائب، لأن الحكم على الغائب من ذلك إنما يكون من قبل الحكم بالشاهد. فهؤلاء لا سبيل لهم إلى معرفة الله تعالى، إذ يلزمهم ألا يعترفوا بأن كل فعل له فاعل.

وإذا كان هذا هكذا، فليس يمكن، من إجماع المسلمين على أنه لا فاعل إلا الله سبحانه، أن يفهم نفي وجود الفاعل بتة في الشاهد، إذ من وجود الفاعل في الشاهد استدللنا على وجود الفاعل في الغائب. لكن لما تقرر عندنا الغائب تبين لنا من قبل المعرفة بذاته أن كل ما سواه فليس فاعلا إلا بإذنه وعن مشيئته.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير