تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فقد تبين من هذا على أي وجه يوجد لنا اكتساب. وأن من قال بأحد الطرفين من هذه المسألة فهو مخطئ، كالمعتزلة والجبرية وأما المتوسط الذي تروم الأشعرية أن تكون هي صاحبة الحق بوجوده، فليس له وجود أصلا. إذ لا يجعلون للإنسان من اسم الاكتساب إلا الفرق الذي يدركه الإنسان بين حركة يده عن الرعشة وتحريك يده باختياره. فإنه لا معنى لاعترافهم بهذا الفرق إذا قالوا: إن الحركتين ليستا من قبلنا، لأنه إذا لم تكونا من قبلنا، فليس لنا قدرة على الامتناع منهما، فنحن مضطرون. فقد استوت حركة الرعشة والحركة التي يسمونها كسبية في المعنى. ولم يكن هنالك فرق إلا في اللفظ فقط والاختلاف في اللفظ ليس يوجب حكما في الذوات. وهذا كله بين بنفسه.

الكشف عن مناهج الأدلة (113 - 115)

المسألة السادسة والعشرون: كسب الأشعري

قال ابن رشد: وأما الأشعرية فإنهم راموا أن يأتوا بقول وسط بين القولين، فقالوا: إن للإنسان كسباً وإن المكتسب به والمكسب مخلوقان لله تعالى. وهذا لا معنى له. فإنه إذا كان الاكتساب والمكتسب ومخلوقان لله سبحانه، فعبد ولا بد مجبور على اكتسابه. فهذا هو أحد أسباب الاختلاق في هذه المسألة.

وللاختلاف كما قلنا سبب آخر سوى السمع، وهو تعارض الأدلة العقلية في هذه المسألة. وذلك أنه إذا فرضنا أن الإنسان موجد لأفعاله وخالق لها، وجب أن يكون هاهنا أفعال ليس تجري على مشيئة الله تعالى ولا اختياره، فيكون ها هنا خالق غير الله. قالوا وقد أجمع المسلمون على أنه لاخالق إلا الله سبحانه. وإن فرضناه أيضاً غير مكتسب لأفعاله وجب أن يكون مجبوراً عليها , فإنه لا وسط بين الجبر والاكتساب. وإذا كان الإنسان مجبوراًَ على أفعاله فالتكليف هو من باب ما لا يطاق. وإذا كلف الإنسان ما لا يطيق لم يكن فرق بين تكليفه وتكليف الجماد، لأن الجماد ليس له استطاعة. وكذلك الإنسان ليس له فيما لا يطيق استطاعة. ولهذا صار الجمهور إلى أن الاستطاعة شرط من شروط التكليف كالعقل سواء.

ولهذا نجد أبا المعالى قد قال في ((النظامية)): إن للإنسان اكتساباً لأفعاله واستطاعة على الفعل. وبناه على امتناع تكليف ما لا يطاق لكن من غير الجهة التي منعته المعتزلة. وأما قدماء الأشعرية فجوزوا تكليف ما لا يطاق هربا من الأصل الذي من قبله نفته المعتزلة، وهو كونه قبيحاً في العقل. وخالفهم المتأخرون منهم.

وأيضاً فإنه إذا لم يكن للإنسان اكتساب كان الأمر بالأهبة لما يتوقع من الشرور لا معنى له. وكذلك الأمر باجتلاب الخيرات. فتبطل أيضاً الصنائع كلها التي مقصود منها أن تجتلب، كصناعة الفلاحة وغير ذلك من الصنائع التي يطلب بها المنافع. وكذلك تبطل جميع الصنائع التي يقصد بها الحفظ ودفع المضار كصناعة الحرب والملاحة والطب وغير ذلك. وهذا كله خارج عما يعقله الإنسان. فإن قيل: فإذا كان الأمر هكذا فكيف يجمع بين هذا التعارض الذي يوجد في المسموع نفسه وفي المعقول نفسه؟

قلنا: الظاهر من مقصد الشرع ليس هو تفريق هذين الاعتقادين. وإنما قصده الجمع بينهما على التوسط الذي هو الحق في هذه المسألة. وذلك أنه يظهر أن الله تبارك وتعالى قد خلق لنا قوى نقدر بها أن نكتسب أشياء هي أضداد. لكن لما كان الاكتساب لتلك الأشياء ليس يتم لنا إلا بمواتاة الأسباب التي سخرها الله لنا من خارج، وزوال العوائق عنها، كانت الأفعال المنسوبة إلينا تتم بالأمرين جمعياً. وإذا كان ذلك كذلك فالأفعال المنسوبة إلينا أيضاً إنما يتم فعلها بإرادتنا وموافقة الأفعال التي من خارج لها، وهي المعبر عنها بقدر الله. وهذه الأسباب التي سخرها الله من خارج ليست هي متممة للأفعال التي نروم فعلها أو عائقة عنها فقط، بل وهي السبب في أن نريد أحد المتقابلين. فإن الإرادة إنما هي شوق يحدث لنا عن تخيل ما، أو تصديق بشيء. وهذا التصديق ليس هو لاختيارنا، بل هو شيء يعرض لنا عن الأمور التي من خارج،مثال ذلك أنه إذا ورد علينا أمر مشتهى من خارج اشتهيناه بالضرورة من غير اختيار، فتحركنا إليه. وكذلك إذا طرأ علينا أمر مهروب عنه من خارج كرهناه بالضرورة، فهربنا منه. وإذا كان هكذا فإرادتنا محفوظة بالأمور التي من خارج ومربوطة بها. وإلى هذا الإشارة بقولة تعالى: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير