تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال ابن رشد: وقد ذهبت الأشعرية في العدل والجور في حق الله سبحانه إلى رأي غريب جدا في العقل والشرع. أعني: أنها صرحت من ذلك بمعنى لم يصرح به الشرع، بل صرح بضده. وذلك أنهم قالوا:إن الغائب في هذا بخلاف الشاهد. وذلك أن الشاهد، زعموا، إنما اتصف بالعدل والجور، لمكان الحجر الذي عليه في أفعاله من الشريعة. فمتى فعل الإنسان شيئاً هو عدل بالشرع، كان عدلاً. ومن فعل ما وضع الشرع أنه جور فهو جائر. قالوا: وأما من ليس مكلفاً ولا داخلاً تحت حجر الشرع، فليس يوجد في حقه فعل هو جور أو عدل، بل كل أفعاله عدل. والتزموا أنه ليس ها هنا شيء هو في نفسه عدل، ولا شيء هو في نفسه جور.

وهذا في غاية الشناعة، لأنه ليس يكون ها هنا شيء هو في نفسه خير ولا شيء هو في نفسه شر. فإن العدل معروف بنفسه أنه خير وأن الجور شر، فيكون الشرك بالله ليس في نفسه جوراً ولا ظلماً، إلا من جهة الشرع. وأنه لو ورد الشرع بوجوب اعتقاد الشريك له لكان عدلاً. وكذلك لو ورد بمعصيته لكان عدلا. وهذا خلاف المسموع والمعقول.

وأما المسموع فإن الله اقد وصف نفسه في كتابه بالقسط، ونفى عن نفسه الظلم. فقال تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط} [آل عمران: 18]. وقال تعالى: {وما ربك بظلام للعبيد} [آل عمران: 182] وقال: {إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون} [يونس: 44].

الكشف عن مناهج الأدلة (115 - 116)

وهي مسألة التحسين والتقبيح العقلي , فلم يوجبوا حسنا ولا قبحا بالعقل وكان من لازم ذلك أنهم جوزوا على الله تعالى أن يعذب المطيع وأن يثيب العاصي.

قال ابن القيم رحمه الله: وقد أثنى على عباده المؤمنين حيث نزهوه عن إيجاد الخلق لا لشيء ولا لغاية فقال تعالى: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً} [آل عمران:191]. وأخبر أن هذا ظن أعدائه لا ظن أوليائه فقال: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [ص:27]، وكيف يتوهم أنه عرفه من يقول أنه لم يخلق لحكمة مطلوبة له, ولا أمر لحكمة ولا نهى لحكمة, وإنما يصدر الخلق والأمر عن مشيئة وقدرة محضة لا لحكمة ولا لغاية مقصودة, وهل هذا إلا إنكار لحقيقة حمده بل الخلق والأمر إنما قام بالحكم والغايات فهما مظهران بحمده وحكمته؛ فإنكار الحكمة إنكار لحقيقة خلقه وأمره؛ فإن الذي أثبته المنكرون من ذلك ينزه عنه الرب ويتعالى عن نسبته إليه فإنهم أثبتوا خلقاً وأمراً لا رحمة فيه ولا مصلحة ولا حكمة، بل يجوز عندهم أو يقع أن يأمر بما لا مصلحة للمكلف فيه البتة وينهى عما فيه مصلحة والجميع بالنسبة إليه سواء، ويجوز عندهم أن يأمر بكل ما نهى عنه وينهى عن جميع ما أمر به, ولا فرق بين هذا وهذا إلا لمجرد الأمر والنهي, ويجوز عندهم أن يعذب من لم يعصه طرفة عين بل أفنى عمره في طاعته وشكره وذكره، وينعم على من لم يطعه طرفة عين بل أفنى عمره في الكفر به والشرك والظلم والفجور. فلا سبيل إلى أن يعرف خلاف ذلك منه إلا بخبر الرسول, وإلا فهو جائز عليه, وهذا من أقبح الظن وأسوأه بالرب سبحانه وتنزيهه عنه كتنزيهه عن الظلم والجور بل هذا هو عين الظلم الذي يتعالى الله عنه.

والعجب العجاب أن كثيراً من أرباب هذا المذهب ينزهونه عما وصف به نفسه من صفات الكمال ونعوت الجلال، ويزعمون أن إثباتها تجسيم وتشبيه ولا ينزهونه عن هذا الظلم والجور, ويزعمون أنه عدل وحق وأن التوحيد عندهم لا يتم إلا به كما لا يتم إلا بإنكار استوائه على عرشه وعلوه فوق سماواته، وتكلمه وتكليمه، وصفات كماله فلا يتم التوحيد عند هذه الطائفة إلا بهذا النفي وذلك الإثبات والله ولي التوفيق.

"شفاء العليل" (2/ 588).

هذا ملخص المسائل التي جمعتها من كلام ابن رشد , فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الإخلاص والمتابعة في القول والعمل والحمد لله رب العالمين.

ـ[أبو العباس البحريني]ــــــــ[26 - 12 - 09, 06:42 ص]ـ

بارك الله فيكم يا شيخ على ما تتحفنا به من الدرر والنفائس، زادكم الله علما وحرصا ...

ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[26 - 12 - 09, 07:09 ص]ـ

وفيكم بارك الله جزاك الله خيرا

ـ[إبراهيم الفوكي السلفي]ــــــــ[26 - 12 - 09, 11:18 ص]ـ

جزاك الله خير الجزاء

مقالة من الاهمية بمكان

لقد نسقتها في ملف وورد ولكن ارجو منك ان ترفعها لنا انت في ملف وورد منسقة كما هي هنا حتى يقرأها من هو كثير الترحال مثلي

ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[26 - 12 - 09, 01:16 م]ـ

جزاك الله خيرا وسوف أنزله وورد في موقع صيد الفوائد

ـ[ابونصرالمازري]ــــــــ[26 - 12 - 09, 02:07 م]ـ

بارك الله فيكم اخي الكريم

بحث قيم يستحق الاعتناء

وبخاصة ردود و انتقاد ابن رشد العبقري للاشاعرة وغيرهم فهي قيمة جدا لمن عرف قدر الرجل و مكانته في علوم الاسلام لاكما يروج بعض المخالفين الناقمين .. نسال الله التوفيق

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير