و أما الطريق الثاني:أن الاحتفال بهذه الأعياد هو منكر و إن لم يكن فيه مشابهة لأهل الكتاب لكونه داخل في مسمى البدع و المحدثات فلم يعهد عند السابقين الأولين من المهاجرين و الأنصار الاحتفال بهذه الأعياد ولا من بعدهم من التابعين و إنما هو حدث أحدث بعد دروس العلم و انخفات نور النبوة و لا يزال الأئمة و العلماء ينكرون مثل هذه الأعياد و يرشدون الأمة إلى طريق الحق بما تركوه من كتب و مقالات و فتاوى في هذا الشأن
و قد أخرج مسلم في صحيحه عن جابر قال:كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا خطب احمرت عيناه و علا صوته و اشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم و مساكم و يقول بعثت أنا و الساعة كهاتين و يقرن بين إصبعيه السبابة و الوسطى ـ و يقول أما بعد فان خير الحديث كتاب الله و خير الهدي هدي محمد و شر الأمور محدثاتها و كل بدعة ضلالة "و في رواية للنسائي "و كل ضلالة في النار"
و فيما رواه أيضا في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:"من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"و في لفظ في الصحيحين:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"
و في الحديث الصحيح الذي رواه أهل السنن عن العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:"انه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين من بعدي ,تمسكوا بها و عضوا عليها بالنواجذ و إياكم و محدثات الأمور فان كل بدعة ضلالة "
و هذه قاعدة قد دلت عليها السنة و الإجماع مع ما في كتاب الله من الدلالة عليها أيضا قال تعالى:"أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله "الشورى
فمن ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله أو أوجبه بقوله أو بفعله من غير أن يشرعه الله فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله و من اتبعه في ذلك فقد اتخذه شريكا لله شرع له من الدين ما لم يأذن به الله
و اعلم أن الله سبحانه و تعالى أرسل محمد صلى الله عليه و سلم إلى الخلق على فترة من الرسل و قد مقت أهل الأرض عربهم و عجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب ماتوا أو أكثرهم قبل مبعثه و الناس إذ ذاك أحد رجلين إما كتابي معتصم بكتاب إما مبدل و إما منسوخ أو بدين دارس بعضه مجهول و بعضه متروك و إما أمي من عربي و عجمي ,مقبل على عبادة ما استحسنه و ظن أنه ينفعه من نجم أو وثن أو قبر أو تمثال أو غير ذلك و الناس في جاهلية جهلاء من مقالات يظنونها علما و هي جهلا , وأعمال يحسبونها صلحا و هي فسادا.
و غاية البارع منهم علما و عملا أن يحصل قليلا من العلم الموروث عن الأنبياء المتقدمين ,قد اشتبه عليهم حقه بباطله ,أو يشتغل بعمل القليل منه مشروع و أكثره مبتدع لا يكاد يؤثر في صلاحه ألا قليلا أو أن يكدح بنظره كدح المتفلسفة ,فتذوب مهجته في الأمور الطبيعة و الرياضية و إصلاح الأخلاق حتى أن يصل إن وصل, بعد الجهد الذي لا يوصف إلى نزر قليل مضطرب لا يروي غليلا و لا يشفي عليلا و لا يغني من العلم الإلهي شيئا باطله أضعاف حقه إن حصل و أنى له ذلك؟ مع كثرة الاختلاف بين أهله و الاضطراب و تعذر الأدلة عليه و الأسباب
فهدى الله الناس ببركة نبوة محمد صلى الله عليه و سلم و بما جاء به من البينات و الهدى هداية جلت عن وصف الواصفين و فاقت معرفة العارفين حتى حصل لأمته المؤمنين به عموما و لأولي العلم منهم خصوصا من العلم النافع و العمل الصالح و الأخلاق العظيمة و السنن المستقيمة ما لو جمعت حكمة سائر الأمم علما و عملا الخالصة من كل شوب إلى الحكمة التي بعث بها لتفاوتتا تفاوتا يمنع معرفة قدر النسبة بينهما فلله الحمد كما يحب ربنا و يرضى
فليجتهد المؤمن في تحقيق العلم و الإيمان و ليتخذ الله هاديا و نصيرا و حاكما و وليا فانه نعم المولى و نعم النصير و كفى بربك هاديا و نصيرا و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين كل وقت و حين آمين.
وكتب / خالد الجزائري