فإنه يقال لهم: إطلاق القول بأن كل كفر هو ضد الإيمان ويخرج من الملة مطلقاً ليس صحيحاً على إطلاقه هكذا إلا عند الخوارج في حكمهم على أصحاب المعاصي بالكفر المخرج من الملة، فإن الإيمان درجات، وهو اسم مشترك يقع على معان كثيرة، منها ما يكون الكفر ضداً له ومنها ما يكون الفسق ضداً له لا الكفر، كترك بعض الأعمال المفروضة مع الاعتراف بوجوبها. وأما ما استدلوا به من ورود نصوص كثيرة فيها عطف العمل على الإيمان، وأن المعطوف والمعطوف عليه بينهما مغايرة وفرق وإلا لما عطف عليه، فالواقع أن النصوص كما يتضح منها، أحياناً يرد فيها ذكر الإيمان في حالة العطف بمعنى الدين وذلك في حال إطلاق الإيمان وحده، فإنه يدخل فيه الأعمال، فإذا أطلق لفظ الإيمان فقط تبادر إلى الذهن أن المقصود بذلك الإيمان القلبي وعمل الجوارح والنطق باللسان ولا يفهم منه التصديق فقط أو الإقرار فقط إلا عند المرجئة، حيث تكلفوا دعوى وقوع ذلك. وأما في حال ذكر الإيمان والعمل معاً فلا مغايرة بينهما في الحكم الذي ذكر لهم، بل يكون ذلك من جنس عطف الخاص على العام مثل قوله تعالى:] حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى [. فإن الصلاة الوسطى من ضمن بقية الصلوات وإنما أفردت بالذكر الخاص بعد الذكر العام لمزيد العناية والاهتمام بها وأما ما استدل به الأحناف من أن الإيمان في اللغة المقصود به التصديق، والعمل لا يسمى تصديقاً فيقال لهم: إنه لم يسم التصديق بالقلب دون التصديق باللسان والعمل إيماناً في اللغة، ولم يعرف عن العرب أنهم يحكمون للشخص بالتصديق والإيمان بشيء صدقه بقلبه ثم أعلن التكذيب به بلسانه، كذلك لم يعرف في اللغة أن التصديق باللسان فقط دون التصديق بالقلب يعتبر إيماناً. ويرد على من ذهب مذهب الإمام أبى حنيفة في إخراج العمل عن الإيمان، واستدل باللغة على أن الإيمان هو التصديق – يرد عليهم بما ذهبوا إليه هم أيضاً من عدم جواز إطلاق الإيمان على الشخص إلا إذا صدق بالله عز وجل وبرسوله، وبكل ما جاء به القرآن والبعث والجنة والنار والصلاة والزكاة، وغير ذلك ومعلوم أن هذا الإيمان قد اشتمل على أعمال، فكيف يحق لهم بعد ذلك عدم اعتبار الأعمال من الإيمان، وهم يشترطون لثبوت إيمان الشخص ما ذكر.
نعم إن أصل الإيمان في اللغة هو التصديق بالقلب واللسان معاً بأي شيء كان إلا أن الله عز وجل وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أوقع لفظة الإيمان على العقد بالقلب لأشياء محدودة مخصوصة معروفة لا على العقد لكل شيء.
وأوقعها أيضاً سبحانه على الإقرار باللسان بتلك الأشياء خاصة لا بما سواها.
وأوقعها أيضاً على أعمال الجوارح لكل ما هو طاعة له تعالى فقط. والله عز وجل هو خالق اللغة وأهلها، فلا يجوز لأحد مخالفة الله عز وجل فيما أنزله وحكم به والتعلل باللغة في دفع الحق.
الفصل الثامن
بين مذهب أهل السنة في تعريف الإيمان
مذهبهم في الإيمان أنه قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي".
الفصل التاسع
بيان منزلة مذهب المرجئة عند السلف
مذهب المرجئة المتأخرين منهم مذهب رديء وخطير، يهون المعصية، ويدعو إلي الكسل والخمول، ولذا تجد السلف يحذرون منه كثيراً ويذمونه لما اشتمل عليه من فساد وإخمال لشعلة الإيمان في القلوب، وتمييع لمنزلة العمل في النفوس. وهذا المذهب ومذهب القدرية من المذاهب الرديئة.
ويذكر بعض العلماء روايات في ذمهم والتنفير من معتقداتهم، ومن تلك الروايات.
1 - "صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب؛ المرجئة والقدرية.
2 - "صنفان من هذه الأمة لا تنالها شفاعتي؛ المرجئة والقدرية.
3 - "ألا وإن الله لعن القدرية والمرجئة على لسان سبعين نبياً.
وهذه الروايات ظاهرة في ذم المرجئة والقدرية لو كانت صحيحة بالرغم من تعدد طرقها، وبالرغم من كثرة احتجاج العلماء بها على القدرية والمرجئة.
وهناك من ضعفها لضعف أسانيدها، وإن ذكرها فمن باب تنوع الردود علي ذم القدرية والمرجئة، ويتلخص من كلام العلماء أنها دائرة بين الصحة والضعف والحسن.
ومهما كان فإن علماء السلف قد أدوا ما عليهم من النصح بوقوفهم في وجه هذه الطائفة، وتبيين ضلالها والخطر الذي يكمن في دعوتهم، ونصحوا للمسلمين بالابتعاد عن أقوالهم.
الباب الثاني عشر
الجهمية
هل توجد آراء الجهمية في وقتنا الحاضر؟
¥