ص: 49 قوله: (الناقض السادس: من استهزأ بالله أو الرسول أو القرآن ....... أو اللحية أو السنة النبوية إلي غير ذلك من شعائر الله والمقدسات الإسلامية فهو كافر) انتهى
قلت: الأولى حذف كلمة (اللحية) من السياق لأمرين:
الأول: أنها عين لا يتعلق التكفير بها؛ لأنها لا تدخل في الأعيان التي يعلق الكفر على الاستهزاء بها كالمصحف والكعبة ونحوهما.
إنما يتعلق الكفر بالاستهزاء بالواجب الشرعي الذي هو إعفاء اللحية، فيكفر المرء إذا استهزأ بإعفاء اللحية من جهة كونه واجبًا شرعيًا صحت به الأخبار عن المعصوم صلى الله عليه وسلم، أما إذا استهزأ باللحية لكونها فاحشة الطول (لا سيما إذا كان ممن يرون وجوب الأخذ منها بعد حد القبضة)، أو لشعثها وعدم نظافتها، فهذا لا يكون كافرًا قطعًا.
ونحو هذا الاستهزاء قول بعضهم: الدين ليس في الشعر، ودخول الجنة لا يتوقف على شعر يحلق أو يترك. هذا كله من الأقوال النابية والعبارات الفجة والأمور غير المرضية. وإن كان التكفير بها محل نظر ومحط تأمل.
الثاني: أن إعفاء اللحية فيه شبهة من جهة حكمه يروج كثير من الجهال ألا وهي أنه مستحب وليس بواجب وهذا خلاف الأدلة الثابتة الصحيحة، بل حكى على الوجوب الإجماع، حكاه ابن حزم في مراتب الإجماع.
ولا يخفى ان تكفير المستهزئ بالمستحبات يحتاج إلى روية وتأمل، وهذا مدخل للشبهات التي تدرأ بها الحدود، فكيف بالكفر المخرج عن الملة. فالأولى بصاحب الكتاب أن يترك هذه العبارات المشكلة الموهمة المحتملة.
وأما قوله (المقدسات الإسلامية) فهو كلام مبهم مجمل غير مبين ومشكل غير موضح، فإن كان يريد بالمقدسات الإسلامية الكعبة ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم ونحوهما فقوله صادق صحيح. وإلا فإن ذلك اللفظ المخصوص (المقدسات الإسلامية) يطلق فينزله أهل الأهواء على أماكن ما أنزل الله في فضلها سلطانًا كأضرحة الأولياء وقبور الصالحين وساحات الشرك ومقامات الرافضة والمتصوفة، هذه جميعها يعتقد كثير من الجهلة والطغام قداستها الدينية وطهارتها الشرعية.
وهذا اللفظ لم يطلقه عالم راسخ من علماء السنة فيما أعلم.
التَّعَقُّبُ الخَامسُ
ص: 62 قوله (المؤمنون قسمان: 1 – سابقون وهم المقربون.
2 – أصحاب اليمين، وهم الأبرار) انتهى.
وفي ص92: قال:"والناس ينقسمون في هذه الدور الثلاث إلى ثلاثة أقسام، وكل قسم ينقسم إلى أقسام! وهم: 1 - مؤمنون، وهم قسمان .... "انتهى.
قلت: وهذا غير دقيق، والأدق أن يقول إنهم ثلاثة أقسام: السابقون بالخيرات، والمقتصدون، والظالمون لأنفسهم.
قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} (فاطر:32).
وقال ابن عباس في تأويل (الذين اصطفينا)، قال ([7]): هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم وَرَّثهم الله كل كتاب أنزله، فظالمهم يُغْفَر له، ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب.
ولعل المصنف استنبط مذهبه الآنف الذكر من قوله تعالى: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً* فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} (الواقعة7 - 10).
فجعل الله تعالى الناس في الآخرة ثلاثة أزواج: السابقون وأصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة. فتعين أن المؤمنين صنفان فحسب. وهذا غلط.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ([8]):" وهكذا جاء القرآن فجعل الأمة على هذه الأصناف الثلاثة قال تعالى {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} فالمسلم الذى لم يقم بواجب الايمان هو الظالم لنفسه والمقتصد هو المؤمن المطلق الذى أدى الواجب وترك المحرم والسابق بالخيرات هو المحسن الذى عبد الله كأنه يراه وقد ذكر الله سبحانه تقسيم الناس فى المعاد الى هذه الثلاثة فى سورة الواقعة والمطففين و هل أتى وذكر الكفار ايضا وأما هنا فجعل التقسيم للمصطفين من عباده"انتهى.
¥