[دراسة بيانية لمثل الرجلين في سورة الكهف.]
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[17 - 06 - 07, 02:37 ص]ـ
[دراسة بيانية لمثل الرجلين في سورة الكهف.]
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً {32} كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَراً {33} وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً {34} وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً {35} وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنقَلَباً {36} قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً {37} لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً {38} وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً {39} فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً {40} أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً {41} وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً {42} وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِراً {43}
الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فإن خير ما نذرت له الأعمار، وجالت فيه الأبصار، ورنت إليه الأنظار والأفكار، هذا الكتاب الحكيم ...
وقد ارتأينا فتح هذه الصحيفة-بعون الله-لتدبره، واخترنا أن نتأمل في مثل مضروب للناس، راجين الكشف فيه عن بعض أسرار القول،وإن هي إلا بضع لمسات تعد قراءها،لا بانفجار، ولكن بانبجاس. طامعين أن نجلي بها وجها إعجازيا في البيان، وننفث في رماد البلاغة فلربما لمع قبس وثار، وأزهر عود في خريف العجمة، وأومض برق يوقظ فينا الحنين إلى زمن الفصاحة ....
هذا، وسنفصل المثل إلى درره، ولنا في كل حلقة تأمل في درة،وأنى لأبصارنا الكليلة أن تحيط بكل هذا النور الساطع! أو لبصائرنا أن تحسب قطرذلك الغيث الهامع!
1 -
وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً ....
لا يكاد القرآن الكريم يوقع على "المثل" والأمثال إلا فعلا مشتقا من مادة" ضرب ".
ابتداء من آية البقرة: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا .. } البقرة26
وانتهاء بآية التحريم {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} التحريم11
ولم يتأخر "الضرب" إلا في موضعين .... حيث جاء مكانه" الصرف":
- الموضع الاول في سورة الإسراء:
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً} الإسراء89
-والموضع الثاني في سورة الكهف:
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} الكهف54
مع ملاحظة أن فعل" الضرب" جاء أيضا مرتين في تركيبين متماثلين:
الموضع الأول في سورة الروم:
{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ.} الروم58
والثاني في سورة الزمر:
{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} الزمر27
ما السر في هذا التلازم بين مادة فعل" الضرب" ومادة مفعول "المثل"؟
¥