تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثمّ إنه من جهة أخرى لفظ التشبيه والتجسيم لم يَرِدْ نفيُهما أو إثباتُهما عن أحدٍ من الصحابة والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين وسائرِ أئمِّة المسلمين، وإن ورد في كلام بعضهم فإنّما يرد مقرونًا بتفسيره وهو معنى تمثيلِ الله بخلقه، ذلك التشبيهُ بمعناه الباطل الذي ينفيه ابنُ تيمية -رحمه الله- وهو مماثلة الله لشيءٍ من مخلوقاتِه فيما هو من خصائصِ الله سبحانه.

سابعًا: إنّ لفظ التشبيه والتجسيمِ عند ابن تيميةَ لفظان مجملان لاحتمالهما للمعنى الحقّ والمعنى الباطل -كما تقدّم-؛ لأنّ التشبيه قد يُطلق ويُقصد به التمثيلُ المذموم المنفيُ شرعًا، وقد يطلق ويُقصد به القدرُ المشترك بين المسميات، وهو لا يستلزم ولا يتضمَّن التمثيلَ المنفي شرعًا بنصوص الكتاب والسنة؛ لأنّ ما لزم الصفةَ لذاتها اتَّصف بها الخالق والمخلوق من حيثُ هما موجودان، فالصِّفة من لوازم وجود كلِّ موجودٍ يُمكن أن يتصف بها، وهي -من هذه الجهة- حقيقةٌ ذِهنيةٌ، بخلاف ما إذا أضيفت إلى موصوفها فإنّ إضافتها إلى موصوفها مانعٌ من الاشتراك فيها، بل هو يدلّ على اختصاص الباري جلّ وعلا بها (18 - انظر: «درء تعارض العقل والنقل»: (5/ 327)، و «الصفدية»: (1/ 99)، و «بيان تلبيس الجهمية»: (1/ 597)).

فابن تيمية -رحمه الله- يفرق بين الصفة ذاتها من حيث هي صفة، وبين الصفة إذا أضيفت إلى موصوفها، وليس من التمثيلِ المنفيِ شرعًا الاشتراك في مسمّى الصفة من حيث هي صفة قبل الإضافة إلى الخالق أو المخلوق، بل هي بهذا المعنى: لفظٌ كليٌ عامّ، أو اسمُ جنس كما تقرّر عند النحاة، أي: لفظ موضوع للدلالة على الحقيقة الذهنية دون سواها، وهي بهذا المنظور الاعتباري لا وجود لها في خارج الذهن.

وعليه، فإنّ التشبيه المذموم الذي هو بمعنى التمثيل لازم في الصفة عند الإضافة دون الصفة إذا أطلقت؛ لأنّ صفة الوجود والسمع والبصر ونحو ذلك مثلاً على نوعين: وجود وسمع وبصر قديم، ووجود وسمع وبصر محدث، ويطلق على كلّ مسمى الوجود والسمع والبصر وتلزمه لوازمه فإنّ هذا ليس من التمثيل الذي نفته الأدلة الشرعية، فإنّ الله تعالى جمع في حقّ نفسه بين النفي والإثبات فقال سبحانه: ?لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ? [الشورى: 11]، فنفى عن نفسه التمثيلَ بالأشياء، وأثبت لنفسه سمعًا وبصرًا، ولو كان إثباتها ينافي نفي التمثيل لنفاه عن نفسه، ولكان جمعه بينهما تناقضًا في النفي والإثبات وحاشا كلامَ الله أن يوصف بهذا، كما قال تعالى: ?وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا? [النساء: 82].

وفي تقرير هذا الأصل يقول ابن تيمية: «وأمّا المعنى الكلّي العامّ المشترك فيه فذاك -كما ذكرنا- لا يوجد كليًّا إلاّ في الذِّهن، وإذا كان المتصفان به بينهما نوعُ موافقة ومشاركة ومشابهة من هذا الوجه، فذاك لا محذور فيه، فإنّ ما يلزم ذلك القدرَ المشتركَ من وجوب وجواز وامتناع فإنّ الله متصف به، فالموجودُ من حيثُ هو موجود أو العليم أو الحي، مهما قيل: إنّه يلزمه من وجوب وامتناع وجواز فالله موصوف به، بخلاف وجود المخلوق وحياتِه وعلمِه، فإنّ الله لا يوصف بما يختصّ به المخلوق من وجوب وجواز واستحالة، كما أنّ المخلوق لا يوصف بما يختص به الربّ من وجوب وجواز واستحالة» (19 - «منهاج السنة النبوية» لابن تيمية: (4/ 151)).

ومن تأسيس التفريق بين الصفة المطلقة والصفة المضافة فإنّ اللفظ الذي استعمله ابن تيمية -رحمه الله- هو ما طابق المعنى الحقّ الذي جاء به الكتاب والسُّنَّة مستعمَلاً فيه؛ لأنّ الخالق والمخلوق مختلفان في الحقيقة فلا يتماثلان، وهذا يستلزم أن يكون لكلّ واحد منهما صفات حقيقية ثبوتية يتحقق بها الاختلاف، والعدمُ المحض لا يحصل به امتياز أحدهما عن الآخر، فيلزم أن تكون صفات كلٍّ منهما مختلفة حتى يحصل بها الامتياز (20 - انظر: «تلبيس الجهمية» لابن تيمية: (1/ 620)، «شرح حديث النزول» لابن تيمية: (7)). ومن مقالة ابن تيمية -رحمه الله- في الردّ على من ادعى أنّ إثبات الصفات هو التمثيل الذي نفته الأدلة الشرعية ما نصّه:

«• أحدها: كونه مَثَّلَ ما فَهِمَه من النصوص بصفات المخلوقين، وظنّ أنّ مدلولَ النصوصِ التمثيل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير