تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

دعاني وسد الباب عني فهل إلى ... دخولي سبيل بينوا لي قضيتي

وقول الآخر:

ألقاه في اليم مكتوفًا وقال له ... إياك إياك أن تبتل بالماء!

وقول الثالث – وعلى الثلاثة غضب الله -:

وضعوا اللحم للبزا ... ة على ذروتي عدن

ثم لاموا البزاة ... إن خلعوا عنهم الرسن

لو أرادوا صيانتي ... ستروا وجهك الحسن

قال ابن القيم ([10]):"ومن هؤلاء المغرورين من يتعلق بمسألة الجبر، وأن العبد لا فعل له البتة، ولا اختيار، وإنما هو مجبور على فعل المعاصي"اهـ

· فصل في قوله:

يا مدرك الأبصار، والأبصار لا ... تدري له ولكنهه إدراكا

أتراك عين، والعيون لها مدى ... ما جاوزته، ولا مدى لمداكا

إن لم تكن عيني تراك فإنني ... في كل شيء أستبين علاكا

(قلت): استفهامه – عفا الله عنه – في قوله (أتراك عينٌ) استفهام قبيح، فرؤية المؤمنين لربهم بأعينهم التي في أم رؤوسهم من الحقائق الشرعية، والضروريات السلفية، ويتعذر أن يجمع رجل -يستخرج عقيدته من كتاب الله و سنة رسوله وأقوال الصحابة والتابعين -بين نفي الرؤية والإيمان بالكتاب والسنة.

ولذلك أجمع أهل الحديث على أن الله يرى في الآخرة بالأبصار كما ترى الشمس صحوًا ليس دونها سحاب أو القمر بدرًا لا يحجبه شيء ولا يضام مؤمن في رؤيته.

ولعل الشاعر قصد أنه لا يرى في الدنيا كما عليه الإجماع، ولكن ما حاجته لقول (والعيون لها مدى ما جاوزته ولا مدى لمداكا) الذي يتضمن شبهة الجهمية الإناث أفراخ المعتزلة الذين يزعمون أن الرؤية اتصال أشعة من العين بالمرئي، وهذا في حق الله محال، فاضطرهم ذلك إلى تأويل الرؤية!

قال الشهرستاني في نهاية الأقدام:" ... وأما جواز الرؤية فالمسلك العقلي ما ذكرناه وقد وردت عليه تلك الإشكالات ولم تسكن النفس في جوابها كل السكون ولا تحركت الأفكار العقلية إلى التفصي عنها كل الحركة فالأولى بنا أن نجعل الجواز أيضاً مسئلة سمعية وأقوى الأدلة السمعية فيها قصة موسى عليه السلام وذلك مما يعتمد كل الاعتماد عليه"اهـ

وقال الفخر الرازي في مناظرة الماتريدية ([11]):"كما أنه يستبعد سماع كلام لا يكون حرفًا ولا صوتًا فكذلك يستبعد رؤية موجود لا يكون جسمًا ولا حاصلًا في جهة معينة فإن كان هذا الاستبعاد معتبرًا فليكن معتبرًا في الموضعين وحينئذ نلزمكم بامتناع رؤيته وإن كان باطلًا في الموضعين فحينئذ نلزمكم أن تحكموا بأنه لا يمتنع سماع كلام لا يكون حرفًا ولا صوتًا "اهـ

(قلت): قال ذلك لأنهم يقولون إن كلام الله لا يكون حرفًا ولا صوتًا ولذا لا يُسْمَعُ خلافًا للأشعري الذي فارقهم في أنه يسمع ولو أنهم قالوا له هذا باطل في مذهبنا! ونعتقد أن كلام الله مع كونه ليس حرفًا ولا صوتًا لا يسمع ورؤيته مع كونه ليس جسمًا ولا متعينًا في جهة لا تمكن لأفحموه؛ إذ لا دليل عنده على إمكان ذلك عقلًا كما مر في كلام صاحبه الشهرستاني.

ولذلك الأشاعرة لهم في إثبات الرؤية مسلكان أحدهما: العجز عن إثباتها عقلًا فيكتفون بالنصوص.

والآخر: التأويل والتلبيس، وهي طريقة الغزالي ولولا الإطالة لبيناها ورددنا على كلامه، ولذلك موضع.

· فصل في قوله:

ونسيت حبي واعتزلت أحبتي ... ونسيت نفسي خوف أن أنساكا

(قلت):قوله (ونسيت نفسي خوف أن أنساكا) فيه تناقض، لأن الذي يفرغ نفسه لربه، ذكره الله نفسه فقام بما يصلحها في الدنيا والآخرة من خصال الخير والمنافع المباحة؛ ولذا لا ينسى الله أحد نفسه إلا وقد عصاه، ونسيه وخالفه.

قال ابن القيم رحمه الله ([12]):"ومن عقوبات المعاصي أنها تستدعى نسيان الله لعبده وتركه وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه، وهنالك الهلاك الذي لا يرجي معه نجاة؛ قال الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [الحشر:18،19]، فأمر بتقواه، ونهي أن يتشبه عباده المؤمنون بمن نسيه بترك تقواه، وأخبر أنه عاقب من ترك التقوي بأن أنساه نفسه أي أنساه مصالحها، وما ينجيها من عذابه، وما يوجب له الحياة الأبدية، وكمال لذتها وسرورها ونعيمها، فأنساه الله ذلك كله جزاء لما نسيه من عظمته وخوفه والقيام بأمره فترى العاصى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير