قبل الجواب لا بد من تصحيح السؤال، فقد كان حريا بك ـ وما أظنه غاب عنك ـ أن تسأل عن المولى ادريس الأول الذي أسس أول دولة مستقلة عن المشرق بعد الفتح الإسلامي للمغرب الأقصى ابتداء من عقبة بن نافع ومرورا بحسان بن النعمان وزهير بن قيس البلوي وانتهاء بموسى بن نصير رحمهم الله جميعا، ولا يجوز نسبة الفتح إلى ادريس بن عبد الله الحسني الذي نجا من موقعة فخ سنة 169 هـ، وقتل مسموما بزرهون المغربية ـ وزعموا أن الذي دس عليه سليمان بن جرير الشماخ هو هارون الرشيد رحمه الله، وهذا عندي بعيد والله أعلم ـ.
أما عن عقيدته فلم تكن شيعية البتة، وقد حاول بعض التافهين أن يلبس الدولة الإدريسية بلبوس التشيع على اعتبار أن ادريس بن عبد الله هو من آل البيت، ولم يكن معتزليا قط، رغم ربط البعض بين الخرجات المسلحة لبعض أعلام آل البيت وبين نصرة بعض من ينتسب إلى الاعتزال لهم، والذي أعلم ولا أملك أن أؤيد قولي بالدليل لبعدي عن مكتبتي هذه الأيام، هو أن المغرب منذ الفتح الإسلامي وإلى زمن الدولة المرابطية لم يعرف عقيدة غير عقيدة أهل السنة والجماعة، وزاد توطدها بمجيء علمر بن سعيد القيسي إلى المغرب وإدخاله موطأ مالك رحمه الله، وحين وقف ادريس الثاني بن ادريس الأول عليه، قال: " نحن أولى باتباع مذهبه وقراءة كتابه"، وكان مذهب مالك هو المعتمد في القضاء، فكيف يعقل أن يجتمع مذهب مالك والاعتزال؟ وأنت تعلم ما كان للمالكية من أثر في ردع المعتزلة، ولا يحتج علي إنسان بوجود مالكية معتزلة، فهذا مردود عليه لأن النادر لا حكم له، وما علمت ـ وعلمي قاصر ـ بمالكي معتزلي في المشرق، أما في المغرب، فلا اعتبار لابن مسرة، ولا للمنذر بن سعيد البلوطي وولديه الحكم وعبد الملك، فهذا ليس بكبير دليل، وكل هؤلاء هم بعد ادريس بن عبد الله.
الخلاصة، أن ادريس بن عبد الله بن الحسن، علوي من آل البيت، معتقده معتقد أهل السنة والجماعة، وليس شيعيا ولا معتزليا، على الرغم من أن التربة المغربية في تلك الفترة بدأت تتخصب بأفكار المعتزلة والخوارج، لكن لم يكن لكل ذلك أثر في عقيدة المغاربة عموما والأدارسة خصوصا. والله أعلم.
بارك الله فيك على المداخلة، وطبعا ذاك ما أردت، لم أرد فتح البلاد لأول مرة، وإنما كون المولى إدريس أول مؤسس لدولة الإسلام بهذه البلاد.
ـ[أبو عائشة المغربي]ــــــــ[03 - 02 - 10, 02:26 ص]ـ
مما يؤكد سلامة المولى إدريس من هذه التهمة، هذه الوثيقة التي نشرها المرحوم علال الفاسي، وفيها يضع المولى إدريس مبادئه وأصوله، ولو كان معتزليا لظهر ذلك بين سطور الوثيقة، ولكان داعية لمذهبه، مما يؤكد تفاهة هذه الدعوى:
"بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي جعل النصر لمن أطاعه، وعاقبة السوء لمن عند عنه، ولا إله إلاّ الله المتفرد بالوحدانية، الدال على ذلك بما أظهر من عجيب حكمته، ولطف تدبيره، الذي لا يدرك إلاّ أعلامه.
وصلى الله على محمّد عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، أحبه واصطفاه، واختاره وارتضاه، صلوات الله عليه وعلى آله الطيبين.
أما بعد، فأني:
1 ـ أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ
2 ـ والى العدل في الرعية والقسم بالسوية، ورفع المظالم والأخذ بيد المظلوم.
3 ـ وإحياء السنة وإماتة البدعة، ونفاذ حكم الكتاب على القريب والبعيد.
4 ـ اذكروا الله في ملوك غيروا، وللأيمان خفروا، وعهود الله وميثاقة نقضوا، ولبني بيته قتلوا.
5 ـ وأذكركم الله في أرامل احتقرت، وحدود عطلت، وفي دماء بغير حق سفكت.
6 ـ فقد نبذوا الكتاب والإسلام، فلم يبق من الإسلام إلاّ أسمه، ولا من القرآن إلاّ رسمه.
7 ـ واعلموا عباد الله أن مما أوجب الله على أهل طاعته، المجاهرة لأهل عداوته ومعصيته، باليد وباللسان (3).
آ ـ فباللسان الدعاء إلى الله بالموعظة الحسنة، والنصيحة، والحض على طاعة الله،
والتوبة عن الذنوب بعد الإنابة والإقلاع، والنزوع عما يكرهه الله، والتواصي بالحق والصدق، والصبر والرحمة والرفق، والتناهي عن معاصي الله كلها، والتعليم والتقديم لمن استجاب لله ورسوله، حتّى تنفذ بصائرهم وتكمل، وتجتمع كلمتهم وتنتظم.
¥