ثالثاً: مما يدل على حرمة هذا الفعل .. أنه بالنظر إلى هذا الفعل وتنزيله على الأحكام التكليفية الخمسة ..
نجد أنه ليس بواجب إجماعاً، ولا مندوباً؛ لأن حقيقة المندوب: ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه، وهذا لم يأذن فيه الشرع، ولا فعله الصحابة ولا التابعون، ولا العلماء المتدينون -فيما علمت- وهذا جوابي عنه بين يدي الله إن عنه سئلت ..
ولا جائز أن يكون مباحاً؛ لأن الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين.
فلم يبق إلا أن يكون مكروهاً، أو حراماً ...
لا سيما إن انضاف إلى ذلك شيء من الغناء مع البطون الملأى بآلات الباطل .. من الدفوف والشبابات واجتماع الرجال مع الشباب المرد .. والنساء الفاتنات .. والرقص بالتثني والانعطاف .. والاستغراق في اللهو والغناء والرقص .. والتطريب في الإنشاد .. والخروج في التلاوة والذكر عن المشروع والأمر المعتاد ..
وهذا الذي لا يختلف في تحريمه اثنان ..
رابعاً: مما يدل على بدعية هذا الأمر .. إن أصحاب هذه الموالد البدعية والمحتفلين بهذا اليوم يتشبهون من حيث لا يشعرون بأعداء الله النصارى، حيث كان في البلاد التي جاور فيها المسلمون النصارى كما في الشام ومصر، يحتفل النصارى بعيد ميلاد المسيح في يوم مولده وميلاد أسرته، فسرت تلك البدعة إلى المسلمين، قال الحافظ السخاوي رحمه الله تعالى: "كان أهل الصليب اتخذوا ليلة مولد نبيهم عيدًا أكبر" اهـ. ولقد حذر النبي من التشبه بأعداء الدين فقال صلى الله عليه وسلم: ((من تشبه بقوم فهو منهم)) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وحسنه ابن حجر رحمه الله ..
خامساً: إن بدعة عيد المولد التي تقام في شهر ربيع الأول في الليلة الثانية عشرة منه ليس لها أساس من التاريخ؛ لأنه لم يثبت أن ولادة النبي صلى الله عليه وسلم كانت تلك الليلة، وقد اضطربت أقوال المؤرخين في ذلك، فبعضهم زعم أن ولادته في اليوم الثاني من الشهر، وبعضهم في الثامن، وبعضهم في التاسع، وبعضهم في العاشر، وبعضهم في الثاني عشر، وبعضهم في السابع عشر، وبعضهم في الثاني والعشرين، فهذه أقوال سبعة ليس لبعضهم ما يدل على رجحانه على الآخر، فيبقى تعيين مولده صلى الله عليه وسلم من الشهر مجهولا إلا أن بعض المعاصرين حقق أنه من اليوم التاسع ...
وهنا كلام مهم .. وتحليل مهم جداً .. للعلامة الشيخ سفر الحوالي شفاه الله:
أنقله بنصه لأهميته: يقول فيه: " وهذه البدعة التي يسمونها المولد، عندما تتبعت كيف وجدت وكيف نشأت، تأكد لي أن أول من أوجدها هم العبيديون، الذين يسمون أنفسهم بالفاطميين أتباع الدولة الفاطمية في مصر، وهذه الدولة دولة يهودية أثبت ذلك علماء الإسلام، وتكلم علماء الإسلام والمؤرخون أنها يهودية، القدماء منهم والمتأخرون، حتى من كان باطنياً على دينهم، ثم رجع عنه، وكتبهم الآن طبعت وحققت ولله الحمد.
فالذي حيَّرني في هذه المسألة أن هناك سراً، ولعل السر والله أعلم، أن مولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير ثابت، ولا ندري في أي يوم ولد، وفي أي شهر، فقيل: إنه في ربيع، وقيل: إنه في رمضان، وقيل: في أول الشهر، وقيل في آخره، وكان العلماء كابن عبد البر والمالكية يرجحون أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولد في رمضان، بدليل أن القرآن أنزل في رمضان، وهذا ثابت في القرآن، والقرآن أنزل عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تمام الأربعين سنة، ونحو ذلك من الأدلة، فوقت مولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير معروف.
فنحن لا نتكلم عن مناقشتهم بالأدلة، بل نحلل القضية بالتحليل التاريخي والعقلي، وما وراء هذه المسألة، فإذا كان مولده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير ثابت، مع أن وفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثابتة في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، فما الذي يتوقع من اليهود أن يفعلوه وهم أعداء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟!
فقد جعلوا تاريخ وفاته المؤكد أنه في الثاني عشر من ربيع الأول عيداً لهم، وموهوا على المسلمين؛ لأنهم كانوا يحكمونهم.
¥