إلا ما ظهر لنا من أعمالهم من معصية وفسق وغير ذلك، أو توبة ظاهرة أما الصحابة رضي الله عنهم أجمعين فمن وقع منهم بمعصية فلا بد أن يموت تائبا وبالتالي ننفي عنه صفة الفسق بلا أدنى شك.
الخلاصة أن صحابة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم هم حملة الشريعة ولا يمكن بحال من الأحول أن يموت الصحابي فاسقا غير عدل البتة البتة، وليست العدالة في الصدق ونقيضه بل العدالة التي تنفي عنهم الفسق مطلقا و يقال ما صدر من بعضهم يقال إما أنهم تابوا قبل موتهم أو تأولوا وبأحد هذين الوصفين ينفى عنهم الفسق ويثبت لهم وصف العدالة لأن من أذنب وتاب فالعبرة بالتوبة بلا شك ومن تأول فأخطأ فهو مجتهد وله أجر اجتهاده، فلذلك زكاهم الله (رضي الله عنهم ورضوا عنه) ووعدهم الحسنى (وكلا وعد الله الحسنى)
........................
ثم أثناء بحثي وبعد ما كتبت هذا وجدت بفضل الله عز وجل ما يؤيد ما قلته قال في الشاملة (تفسير آيات الأحكام):
أن الصحابة كلهم عدول، ببركة صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، ومزيد ثناء الله عزّ وجلّ عليهم في كتابه العزيز كقوله سبحانه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة: 143] أي عدولاً، وقوله سبحانه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] وقوله جلّ ذكره: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله والذين مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]. وقوله جلّ وعلا: {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ الله وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ أولئك هُمُ الصادقون} [الحشر: 8] وقوله جلّ وعلا: {رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} [المائدة: 119] إلى آخر ما هناك من الآيات الكثيرة.
وكذلك ما ثبت في السنة المطهرة من مدحهم، والثناء عليهم، وبيان أنهم أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإطلاق، ونحن نذكر بعض هذه الأحاديث الشريفة التي تشير إلى فضيلتهم باختصار.
أ- قال صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الذين يلونهم» الحديث.
ب- وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تسبُّوا أصحابي فالوالذي نفسي بيده لو أنّ أحدكم أنفق مثل أُحد ذهباً ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه».
ج - وقال صلى الله عليه وسلم: «اللَّهَ اللَّهَ في أصحابي، لا تتّخذوهم غرضاً بعدي، فمن أحبّهم فبحبي أحبّهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه».
فهذه الأخبار التي وردت في الكتاب والسنة كلها متضافرة على عدالة الصحابة وأفضليتهم على سائر الناس، وما وقع من بعضهم من مخالفات فليس يسوغ لنا أن نحكم عليهم بالفسق، لأنهم لا يصرّون على الذنب، وإذا تاب الإنسان رجعت إليه عدالته ولا يحكم بفسقه على التأبيد، فهذا (ماعز الأسلمي) الذي ارتكب الفاحشة يقول عنه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أمر برجمه «لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم».
والقولُ: بأنَّ بعض الصحابة قد وقع في الذنب والمخالفة - بناء على الاعتقاد بعدم عصمتهم - لا يعني أنهم غير عدول، لأن الفاسق الذي ترد شهادته وروايته هو الذي يصرّ على الذنب والمعصية، وليس في الصحابة من يصر على ذلك.
وقد عرفتَ ما ذكره الإمام الفخر أنها لم تنزل خاصة بسبب (الوليد بن عقبة) وإنما نزلت عامة في بيان حكم كل فاسق، وأنها نزلت في ذلك الوقت الذي حدثت فيه تلك القصة، فهي مِثْل التاريخ لنزول الآية، وكلامُ الإمام الفخر نفيس فارجع إليه.
انتهى
.................................................. .........
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه لرياض الصالحين عند قوله (إنك لا تدري ما أحدثوا بعد):
¥