تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فلذلك قال ابن عربي بصراحة لا تحتمل التأويل: (وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الوليّ الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه – متى رأوه – إلا من مشكاة خاتم الأولياء: فإن الرسالة والنبوة – أعني نبوة التشريع ورسالته – تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبداً. فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء؟ وإن كان خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا إليه، فإنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى ... لما مثل النبي صلى الله عليه وسلم النبوة بالحائط من اللبّن وقد كَمُلَ سوى موضع لبِنَة، فكان صلى الله عليه وسلم تلك اللبنة. غير أنه صلى الله عليه وسلم لا يراها كما قال لبِنَة واحدة. وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرى في الحائط موضع لبِنَتين، واللبن من ذهب وفضة. فيرى اللبنتين اللتين تنقص الحائط عنهما وتكمل بهما، لبنة ذهب ولبنة فضة، فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين. فيكمل الحائط. والسبب الموجب لكونه رآها لبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر وهو موضع اللبنة الفضة، وهو ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام، كما هو آخذ عن الله في السر ما هو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإنه أخذ من المعدن الذي يأخذ من الملك الذي يوحى به إلى الرسول .. فإن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع بكل شيء. فكل نبي من لدن آدم إلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إلا من مشكاة خاتم النبيين، وإن تأخر وجود طينته، فإنه بحقيقته موجود، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((كنت نبياً وآدم بين الماء والطين)). وغيره من الأنبياء ما كان نبيا إلا حين بُعثَ، وكذلك خاتم الأولياء كان وليا وآدم بين الماء والطين، وغيره من الأولياء ما كان ولياً إلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون الله تعالى تسمى (بالولي الحميد). خاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء والرسل معه، فإنه الولي الرسول النبي. وخاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب.

ولا أدري كيف يدافع من يدافع عن ابن عربي بأنه لا يفضل الولي على النبي، وبعد هذه التصريحات كلها؟ حيث يجعل خاتم الأولياء منبع العلوم، ومصدر الفيض لجميع الأنبياء والرسل، وأنهم لا يستمدون إلا منه، و لا يستقون إلا من ذلك المنهل والمورد، ولا يستضيئون إلا من مشكاته، وهذا الفيض الشيثي والعزيري نص في القضية.

ولذلك ردّ شيخ الإسلام ابن تيمية في رسائله بشدّة عليه، وعلى من نهج منهجه وسلك مسلكه، في رسائله وكتبه، ونسب كلامه إلى الكفر الذي تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّا.

وقال شيخ الإسلام في فتاواه: (وكذا لفظ (خاتم الأولياء) لفظ باطل لا أصل له، وأول من ذكره محمد بن علي الحكيم الترمذي، وقد انتحله طائفة كل منهم يدعي أنه خاتم الأولياء: كابن حمويه وابن عربي وبعض الشيوخ الضالين بدمشق وغيرها، وكل منهم يدعي أنه أفضل من النبي عليه السلام من بعض الوجوه، إلى غير ذلك من الكفر والبهتان، وكل ذلك طمعاً في رياسة خاتم الأولياء لما فاتتهم رياسة خاتم الأنبياء، وقد غلطوا، فإن خاتم الأنبياء إنما كان أفضلهم للأدلة الدالة على ذلك، وليس كذلك خاتم الأولياء. فإن أفضل أولياء هذه الأمة السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر رضي الله عنه، ثم عمر رضي الله عنه و ثم عثمان رضي الله عنه، ثم علي رضي الله عنه، وخير قرونها القرن الذي بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وخاتم الأولياء في الحقيقة آخر مؤمن تقي يكون في الناس، وليس ذلك بخير الأولياء، ولا أفضلهم بل خيرهم وأفضلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه تعالى عنه، ثم عمر: اللذان ما طلعت شمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل منهما.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير