وقبل أن نورد نصوصا أخرى من القوم ممن خلف ابن عربي في مثل هذه المقولات وسبقوه نودّ أن نلفت أنظار القراء والباحثين إلى أن خاتم الأولياء الذي صعد وارتقى تلك المنزلة الكبرى، وحاز ذلك المنصب العظيم حتى ازداد على أنبياء الله ورسله، لم يكن عند ابن عربي إلا هو نفسه كما يقول في (فتوحاته):
(أنا ختم الولاية دون شك
لورثي الهاشمي مع المسيح
كما أني أبو بكر عتيق
أجاهد كلّ ذي جسم وروح
بأرواح مثقفة طوال
وترجمة بقرآن فصيح
أشدّ على كتيبة كل عقل
تنازعني على الوحي الصريح
لي الورع الذي يسمو اعتلاء
على الأحوال بالنبأ الصحيح
وساعدني عليه رجال صدق
من الورعين من أهل الفتوح
يوالون الوجوب وكلّ ندبويستثنون سلطنة المبيح.
وهناك تصريحات أخرى منه ومن أتباعه، نذكرها في ترجمته في باب مستقل في الجزء الثاني من هذا الكتاب، تحت تراجم كبراء المتصوفين – إن شاء الرحمن -.
وأما الحكيم الترمذي الذي منه أخذ ابن عربي تلك الفكرة في أخذ النبي العلم والمعرفة من الملك، وأخذ الوليّ بدون واسطة، فيقول في جواب سؤال: ما الفرق بين النبوة والولاية؟: (الفرق بين النبوة والولاية أن النبوة كلام ينفصل من الله وحيا، ومعه روح من الله فيقضي الوحي ويختم بالروح ... والولاية لمن ولى الله حديثه على طريق أخرى، فأوصله إليه فله الحديث، وينفصل ذلك الحديث من الله عز وجل، على لسان الحق معه السكينة، تتلقاه السكينة في قلب المحدّث، فيقبله ويسكن إليه.
ثم يذكر خاتم الأولياء فيقول:
(لما قبض الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم صيّر في أمته أربعين صديقا بهم تقوم الأرض، وهم آل بيته، فكل ما مات واحد منهم خلفه من يقوم مقامه، حتى إذا انقرض عددهم وأتى وقت زوال الدنيا إبتعث الله وليا اصطفاه واجتباه، وقرّبه وأدناه، وأعطاه ما أعطى الأولياء، وخصّه بخاتم الولاية، فيكون حجة الله يوم القيامة على سائر الأولياء فيوجد عنده بذلك الختم صدق الولاية على سبيل ما وجد عند محمد صلى الله عليه وسلم من صدق النبوة فلم ينله العدو، ولا وجدت النفس إليه سبيلا إلى الأخذ بحظها من الولاية.
فإذا برز الأولياء يوم القيامة و اقتضوا صدق الولاية والعبودية وجد الوفاء عند هذا الذي ختم الولاية تماما، فكان حجة الله عليهم وعلى سائر الموحدين من بعدهم، وكان شفيعهم يوم القيامة، فهو سيدهم، ساد الأولياء، كما ساد الأنبياء، فينصب له مقام الشفاعة، ويثني على الله تعالى ثناء ويحمده بمحامد يقرّ الأولياء بفضله عليهم في العلم بالله تعالى.فلم يزل هذا الولي مذكورا في البدء، أولا في الذكر، وأولا في العلم، ثم هو الأول في المشيئة، ثم هو الأول في اللوح المحفوظ، ثم الأول في الميثاق، ثم الأول في المحشر، ثم الأول في الجوار، ثم الأول في الخطاب، ثم الأول في الوفادة، ثم الأول في الشفاعة، ثم الأول في دخول الدار، ثم الأول في الزيارة، فهو في كل مكان أول الأولياء.
وقد سئل: أين مقامه؟ فقال:
(في أعلى منازل الأولياء، في ملك الفردانية، وقد انفرد في وحدانيته، ومناجاته كفاحا في مجالس الملك، وهداياه من خزائن السعي.
قال: وما خزائن السعي؟ قال: إنما هي ثلاث خزائن: المنن للأولياء، وخزائن السعي لهذا الإمام القائد، وخزائن القرب للأنبياء عليهم السلام، فهذا (خاتم الأولياء) مقامه من خزائن المنن، ومتناوله من خزائن القرب، فهو في السعي أبدا، فمرتبته هنا، ومتناوله من خزائن الأنبياء عليهم السلام، قد انكشفت له الغطاء عن مقام الأنبياء ومراتبهم وتحفهم.
ويقول أيضا: (وقد يكون في الأولياء من هو أرفع درجة، وذاك عبد قد ولى الله استعماله، فهو في قبضته يتقلب، به ينطق، وبه يسمع، وبه يبصر، وبه يبطش، وبه يعقل، شهره في أرضه، وجعله إمام خلقه و وصاحب لواء الأولياء، وأمان أهل الأرض، ومنظر أهل السماء، وريحانة الجنان، وخاصة الله، وموضع نظره، ومعدن سره، وسوطه في أرضه، يؤدب به خلقه، ويحيي القلوب الميتة برؤيته، ويرد الخلق إلى طريقه، وينعش به حقوقه، مفتاح الهدى، وسراج الأرض، وأمين صحيفة الأولياء، و قائدهم، والقائم بالثناء على ربه، بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم! يباهي به الرسول في ذلك الموقف، وينوه الله باسمه في ذلك المقام، ويقر عين رسول
¥